عمر غازي
في يونيو الماضي ألغت محكمة العدل العليا الكندية حكم الإدانة الصادر بحق زوجين مسلمين لقيامهما بزرع قنابل منزلية الصنع خارج أحد المباني الحكومية، وقضت المحكمة باتهام الشرطة بالتلاعب المنهجي متعدّد الأوجه بالمتهمين لدفعهما إلى ارتكاب اعتداء إرهابي”.
ووفقا للقاضية كاثرين بروس فإنه “بغياب الشرطة كان سيصبح من المستحيل على المتهمين تنفيذ خطة طنجرة الضغط. قررت الشرطة أن عليها التخطيط نيابة عن جون وأماندا وجعلهما يظنان بأنها خطتهما”، مستطردة “كان المتهمان بيدقين لكن الشرطي السري كان هو القائد”.
وأشارت القاضية أيضاً إلى أنه على الرغم من اعتناق الزوجين لبعض وجهات النظر المتطرفة التي ترى في العنف سبيلاً لإرسال الرسائل السياسية، إلا أن الشرطة تجاوزت حدود سلطتها في التعامل معهما.
قد يبدو الخبر عادياً أو مستغربا، وقد يقابله البعض ببعض من الاندهاش أو التقدير للقاضية، وربما لا يلقى له الكثيرون بالا ويتوه في زحام الأخبار وزخم الأحداث.
لكن المتابع والمهتم بمثل هذه القضايا يدرك تمام الإداراك عبر البحث والمتابعة والاستنتاج والتحليل أن الإرهاب بات صناعة يقتات منها البعض من غير المنخرطين فيه فكرياً على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم وأهدافهم ومكاسبهم سواء كانوا أفرادا أم منظمات وحكومات، وإن سبل مكافحته قاصرة على المخرجات ومواجهة الخطاب الديني العنيف دون تتبع الخيط على تعقيده وتشابكه لتعرية جوانب الغموض في عالم صناعة العنف المتنامي.
ولذا فإن حكماً قضائياً كهذا لابد وألا يمر مرور الكرام أمام الباحثين والأكاديميين والمحللين والصحفيين الاستقصائيين ممكن تنبهوا للظاهرة ورصدوها دون دليل مادي، للانتقال بعملهم ودراساتهم واستراتيجاتهم البحثية في جانب المكافحة وتجفيف المنافع المقتصر على البعد الفكري والتمويلي والخطاب الديني المتطرف ومؤخرا الإرهاب الإعلامي إلى دراسة وتتبع أبعاد أخرى تتعلق بغسيل الأدمغة والتوجيه عن بعد في العالم الافتراضي وتتبع مسارات التجنيد الإلكتروني، وقيادات الويب القابعين في أروقة الشبكة العنكبوتية، عبر دراسات نفسية وسلوكية واجتماعية توظف التقنية الحديثة في التحليل والتتبع والاستنتاج.
التعقيد البالغ الذي يحيط بالإرهاب على صعيد تعريفه الاصطلاحي لا يقل بحال عن على جميع المستويات الأخرى فيما يتعلق بتشخيصه وتفكيكه ومكافحته وصناعته والاتجار فيه.
إن انتقال الإرهاب وصناعته من الإرهاب المنظم إلى التجنيد الفردي يستوجب تغييراً في استراتيجيات المواجهة وأدواتها بما يتناسب مع حجم الخطر ونوعه الذي يتضاعف مقارنة بالطرق التقليدية، ويفتح في الوقت ذاته مخاوفاً وتكهناتٍ حقيقية عن الاختراقات المخابراتية والأجندات الموجهة والدوافع المتداخلة، لا تندرج في إطار الإيمان بوهم الاستهداف والمؤامرة كما يعتقد البعض وهو ما أكده الحكم السابق وهو غيض من فيض لمن أراد أن يسهم حقا في مكافحة هذه الصناعة والاتجار فيها إن جاز التعبير.
* نشرت في مركز سمت للدراسات