أثر الرشوة على الاقتصاد والتنمية .. وسبل مكافحتها

بقلم (عمر غازي) 

كثيراً ما يدور الحديث عن الرشوة أو “جريمة الاتجار بالوظيفة” كأحد أهم أسباب الفساد والتخلف في المجتمعات، لما فيها من تجاوز للأنظمة، واعتداء على الحقوق، ومنحها لمن لا يستحقها، أو حجبها عن مستحقيها.

تمثل الرشوة أسوء صور الفساد الإداري وأكثر الجرائم انتشارا في مجال الوظيفة العامة، وهذا راجع لأسباب عديدة في مقدمتها أصحاب النفوذ الذين يتاجرون بهذه الوظيفة على حساب المواطن العادي، الذي اصطدم بواقع الإدارة التي لا تمنح له الوقت الكافي لقضا مصالحه، بل أصبح الموظف منشغل بخدمة من لهم مصلحة معه.[1]

وبعدما كان المجتمع ينظر إلى الرشوة على أنها جريمة ولا يقبل بها على الإطلاق أصبح كثير من الناس لا يشعر بأي حرج عندما يدفع مبلغا من المال أو يستعمل أية طريقة من طرق الرشوة المختلفة لإنجاز بعض أعمالهم، بل لا ينظرون إلى أن هذا العمل رشوة ولا يطلقون عليه هذه الصفة وإنما يفتشون عن الكلمات ويستعملون الألفاظ التي تبعد عن أعمالهم هذه فعل الرشوة.[2]

والمجتمع الواعي يعمل دوما على محاربتها، ووأدها في مهدها، بوصفها أخطر أنواع الفساد الخفي، الذي يهلك المجتمع، ويدخله في عاصفة الفساد الإداري والمالي الخفي، وذلك لما يترتب عليها من وصول أشخاص إلى مواقع قيادية، بل إلى مواقع صنع القرار بالمحسوبية، دون النظر إلى التأهيل والمناسبة والكفاءة، ولعل أبرز ما يصيب المجتمع من جراء ذلك هو اختلال الكثير من القيم الاجتماعية واضطراب الموازين الاقتصادية.[3]

أولا: العوامل المساعدة على انتشار الرشوة

هناك العديد من العوامل التي أدت إلى شيوع الرشوة تحت مسميات عديدة وجعلها تنتشر انتشار النار في الهشيم، وتنخر في الأمة كالداء الخبيث الذي يجب استئصاله لسلامة باقي الجسد من الهلاك.

وهنالك ثمة عوامل أدت إلى انتشارها بشكل واسع، مما جعلها مكوِناً ثقافياً راسخاً في الوعي المجتمعي ومن هذه العوامل:

1- غياب الرقابة الذاتية عند الأفراد[4]، وتدني الرقابة بكل أنواعها وعدم وضوح الاختصاصات الوظيفية وتضارب القوانين بكل أنواعها وعدم وضوح الاختصاصات الوظيفية وتضارب القوانين والأنظمة واللوائح وسوء التنظيم في الجهاز الإداري والماي وضعف التنسيق في العمل.[5]

2- البريوقراطية والروتين والتعقيد الإداري، مما يدفع بعض أصحاب المعاملات إلى عرض الرشوة لتيسير أمورهم وتذليلها.

3- انخفاض مستوى دخل متلقي الرشوة بالمقارنة بمستوى التضخم أو الأسعار المحلية، الأمر الذي يجعل الدخل الحقيقي له عاجزا عن إشباع احتياجاته المعيشية الضرورية ومن هنا يجد نفسه مضطرا لتقبل الرشوة ليسد بها النفص المادي الناتج عن ضعف دخله.[6]

4- سوء توزيع الثروة والموارد الاقتصادية في المجتمع حيث توجد قليلة تستحوذ على نسبة كبيرة من الثروة والدخل، بينما تعيش الغالبية العظمى تحت خط الفقر مما يؤدي إلى الهوة بين الأغنياء والفقراء ويكون هذا المناخ مساعدا على تغذية الميول نحو الفساد.[7]

5- انتشار المحسوبية والعلاقات الاجتماعية في التوظيف على حساب الكفاءة.

6- عدم وجود العقوبات الرادعة للراشين والمرتشين والمتلاعبيين بالأموال العامة.

7- ارتفاع درجة مساهمة القطاع العام في النشاط الاقتصادي، باعتبار أنه كلما ارتفعت درجة سيطرة هذا القطاع على الأنشطة الاقتصادية المتعددة كلما ازداد الميل نحو الفساد، وذلك لما ينطوي عليه القطاع من بيروقراطية وضعف عملية الرقابة والمساءلة.[8]

8- صعوبة الكشف عن الرشوة، لأن كل مساهم في عملية الرشوة يحاول إخفاء معالمها خشية من أن يقع في الجريمة رغبة في إنجاز المصلحة التي ينشدها.[9]

ثانيا: الآثار السلبية المترتبة عليها

مما لا شك فيه أن انتشار الرشوة وتفشيها في المجتمع ينتج آثاراً سلبيه على الفرد وعلى المرافق الحكومية، وعلى المجتمع بأسره، فهي لا تظهر آثارها مباشره باكتشافها، بل مع مرور الوقت تتبين وتتضح، فهي عملية تراكمية، تتراكم مع بعضها البعض لظهور خطرها وآفاتها.

ومن أهم الآثار المترتبة على انتشارها:

1- طغيان الفساد الإداري والمالي واختلال التوازن الاجتماعي.

تسبب الرشوة اختلالاً في توازن المجتمع بحيث يصبح المجتمع قائماً على المصالح وتبادل المنافع فيما بين أفراده، وغياب مفهوم التعاون والترابط القائم على العدل والمساواة والأخوة، وإيصال الحقوق لأصحابها، مما يجعل الفساد المالي والإداري، هي اللغة الوحيدة التي يتم التعامل بها بديلاً عن لغة القانون والشفافية ومعرفة الحقوق.

2- إضعاف الرؤى الطموحة والمميزة لدى الأشخاص الذين ليس لديهم واسطة.

3- الإحباط لدى أفراد المجتمع وتفشي داء الحقد والكراهية بينهم.

4- شعور الموظفين بالظلم والتمييز.

5- الانعكاس السلبي على أداء وإنتاجية الموظف.

6- إعاقة النهضة التنموية وتقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.

7- سيادة القوة وأصحاب النفوذ؛ أمام الأنظمة والقانون.

ثالثا: الآثار السلبية للرشوة على الاقتصاد والتنمية

لاشك في أن لكل نظام اقتصادي وظائف أساسية لابد من القيام بها، ومن هذه الوظائف التنسيق بين الأنشطة الاقتصادية المختلفة داخل ذلك النظام، بمعنى تحديد أنواع السلع التي ينبغي انتاجها وكيفية استخدام عوامل الانتاج واختيار أفضل الطرق لاستخدام هذه الموارد ثم توزيع العائد على الذين أسهموا في الانتاج، وهذا التوزيع قد يأخذ شكل الأجور التي يتقاضاها العمال، وأرباح أصحاب رؤوس الأموال، والربع الذي يدفع لأصحاب الأراضي مثلا .. وما إلى ذلك باختصار توزيع العائد على مختلف أعضاء المجتمع .. ولاشك في أن القيام بهذه الوظائف كما يجب أن يكون، ويحقق العدالة لابد له من معايير وأسس تضبط الأنشطة ككل، وإذا ما اختلت هذه المعايير فإن فئة ما في المجتمع ستطغى على بقية الفئات وتكون هس المستفيدة الرئيسية، والرشوة إذا ما دخلت على النظام الاقتصادي إختل التوزان وفقدت السيطرة وحدث العطب وانعدمت العدالة خاصة في عملية التوزيع[10]:

  • تدني الانتاجية كما ونوعا نظرا لصرف الطاقات نحو المصالح والأعراض الذاتية.
  • احتكار الخدمة أو الاضطرار إلى دفع مبالغ للحصول عليها.[11]
  • وقوع مقدرات التنظيم تحت قبضة حفنة من الراشين والمرتشين المتنفذين في التنظيم وتسخيرها للمصالح المشتركة.
  • هيمنة القلة من جماعات الضغط والمصالح على السياسات التنظيمية وتوجيهها نحو مصالحها مما يؤثر على خطط التنمية في الدولة وسياساتها ويدفعها نحو خدمة فئة قليلة.[12]

رابعا: سبل مكافحتها:

ولكي يمكن الحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها لا بد من السير على خطوات وإجراءات تدريجية ولعل من أبرز هذه الخطوات:

1- استشعار الموظف بمراقبة الله سبحانه وتعالى له بالسر والعلن  أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ا للَّه يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ( 77 -سورة البقرة.

2- التوعية المستمرة بأضرار الرشوة ونتائجها الوخيمة على الفرد والمجتمع، إذ لابد من الانتقال من الحملات العشوائية المؤقتة والتصريحات الإعلامية إلى شعار آخر هو (لا للفساد) مساواة بـ (لا للمخدرات) بشرح خطورة الفساد والرشوة بكل صورها ومنها أخذ المقابل أو الهدايا والاكراميات وغيرها وآثارها السلبية على الاقتصاد والتنمية والمجتمع برمته وتنوير الرأي العام بأضرار الوساطة والمحسوبية وبيان تحريم الشريعة الإسلامية الغراء لكل صور الرشوة[13] (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض بينكم) فالتولية بدافع الموادة أو القرابة تعتبر خيانة محرمة، وإذا كانت بدافع الرشوة فهي محرمة من باب أولى.[14]

3- تفعيل دور جميع الجهات ذات الصلة بمكافحة الرشوة، حيث يبدأ دورها قبل وقوع الجريمة وليس بعدها، حتى لا تتفاقم الأمور وبذلك يُهدر المال العام ويصبح التدخل بعد ذلك متأخرا[15]..

4- تفعيل موضوع الردع العام والخاص، وذلك بإنزال العقاب بالمجرم، سواء كان راشياً أو مرتشياً أو رائشاً (وسيطاً) وتسريع الحكم في هذه الجريمة حتى تظل حاضرة في ذهن المجتمع وأفراده، حيث يُلاحظ أن صدور الأحكام الخاصة بحق الجناة بجرائم الرشوة تكون بعد سنوات من وقوع الجريمة إلى جانب أهمية نشر تلك الأحكام الصادرة ضد الجناة في جرائم الرشوة في الصحف وأجهزة الإعلام.[16]

5- مكافحة الرشوة من خلال المجال الاقتصادي بتحسين الوضع الاقتصادي للموظفين وذلك أن أهم أسباب الرشوة هي الأجور المتدنية التي لا تتناسب مع متطلبات المعيشة وغلاء الأسعار.

والتوزيع العادل للدخل القومي والثروات، وتطوير الأنظمة والقوانين الاقتصادية :

وذلك بما يكفل خلق مناخ استثماري ملائم يسهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطني والابتعاد عن محاربة الله ورسوله من خلال الربا.[17]

6- مواكبة التطور وتفعيل الأعمال الإدارية الالكترونية والمراجعة المستمرة للأنظمة والإجراءات.

7- الإقلال والحد من الصلاحيات الممنوحة للمسئول.

 

———————-

[1] . عادل مستاري، موسى قروف، جريمة الرشوة السلبية في ظل قانون 01-06 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، مجلة الاجتهاد القضائي، العدد الخامس.

[2] . محمد محمود الذنيبات، أثر الرشوة على النظام الاقتصادي والتنمية، دراسة منشورة ضمن كتاب “الرشوة وخطورتها على المجتمع”، دار النشر بالمركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب بالرياض، 1983، (ص/153),

[3] . محمد محمود الذنيبات، مرجع سابق،  (ص/153-154).

[4] محمد محمود الذنيبات، مرجع سابق،  (ص/155)

[5] حسن مذكور، الرشوة في الفقه الإسلامي مقارنا بالقانون، دار النهضة العربية، القاهرة 1984، (ص/1984).

[6] أحمد مرسول أحمد، قضايا الفساد ومؤشراته المختلفة، مجلة النبأ العدد 27، لبنان 2003/ (ص/4).

[7] انظر: سارة بوسعيد، دور استراتيحية مكافحة الفساد الاقتصادي في تحقيقي التنمية المستدامية، رسالة ماجستير، جامعة فرحات عباس 2013، (ص/ 24)

[8] المصدر السابق (ص/25).

[9] . محمد محمود الذنيبات، مرجع سابق،  (ص/155).

[10] . محمد محمود الذنيبات، مرجع سابق،  (ص/174).

[11] . عبدالله علي عكايلة، الرقابة الإدارية ودورها في مكافحة جريمة الرشوة، دراسة منشورة ضمن كتاب “الرشوة وخطورتها على المجتمع”، دار النشر بالمركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب بالرياض، 1983، (ص/83).

[12] عبدالله علي عكايلة، الرقابة الإدارية ودورها في مكافحة جريمة الرشوة، مرجع سابق، بتصرف (ص/84).

[13] عيد الجهني، الآثار السلبية للفساد والرشوة على الاقتصاد العربي، بحث مقدم إلى المؤتمر العربي الدولي لمكافحة الفساد، الرياض 2003م.

[14] عبدالله الطريقي، جريمة الرشوة في الشريعة الإسلامية، الطبعة الثالثة، (ص/65)

[15] خالدالنويصر، جريمة الرشوة وأثرها في الوطن والمواطن، جريدة الاقتصادية، العدد 6607.

[16] المصدر السابق

[17] بشير الدليمي، أثر الرشوة في المجتمع المسلم، دور القرآن في التعامل معها، وكيفية علاجها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *