حوائط التراث

بقلم: عمر غازي

جرب أن تفتح موضوع الطلاق مع أي شخص تعرفه أولا تعرفه، وقبل أن يسألك عن الأسباب والمسببات سيبادرك بالقول (أبغض الحلال عند الله الطلاق).

ربما يقودك حوارك مع محدثك لمخالفته الرأي فيستشهد بقول لأحد المشايخ أو الدعاة الذين يثق بهم، وقبل أن تفتح فمك بالمعارضة سيباغتك بالقول (لحوم العلماء مسمومة).

إن حالفك الحظ في مجالسة أحد مؤيدي حكم الجنرالات فاحتفظ بآرائك لنفسك حتى لا تصطدم بـ (خير أجناد الأرض)، أما إذا أصررت على النقاش فقد تكون في مجابهة ذلك بحاجة للاستشهاد بحديث (كما تكونوا يولي عليكم).

وإذا كنت عازفاً عن الزواج أو زاهداً في الإنجاب فاحذر أن تبوح بهذا السر الخطير لأحد (تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة).

إزاء ذلك ربما لن يكون بيدك حيلة غير الاستجابة للزواج من أجل أن يباهي بك الرسول الأمم، ولكن يلزمك قبل ذلك طلب المشورة (ما خاب من استخار ، ولا ندم من استشار)، وبالطبع لا تنسى أن (خير الأسماء ما عبِّد وما حـمِّد)

ما سبق عينة يسيرة لصخور يتحطم عندها النقاش، وتكبت بسببها الآراء، وفي الحقيقة ما هي إلا حوائط صد خادعة، فجميع الأحاديث الواردة أعلاه ليست صحيحة، وبالتالي لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يحتج بها، وتتراوح ما بين الضعيف والضعيف جداً، وبعضها ليس حديثا بالأساس كمقولة (لحوم العلماء مسمومة).

هذا الموروث بات أحد المسلمات ذات القدسية التي لا يمكن القفز عليها، ولو لم يقتنع بها عقلك، حتى لا تصبح موصوما بالزندقة أو متهماً بالإلحاد في نظر المجتمع.

والناتج عن ذلك أننا بتنا نعيش فيما يشبه الحلقة المفرغة، فمع أول أو ثاني اصطدام لنا بهذا الحائط التراثي يتعين علينا لا شعورياً أن ننقل أثر تلك الصدمة لمن بعدنا فيتوقف هو الآخر عن إعمال عقله برأي مغاير، ليدور معنا في نفس الدائرة وهلم جرا.

ما دعاني إلى مراجعة الكثير من المقولات الدارجة في حياتنا اليومية، كأحاديث نبوية قطعية الدلالة؛ حديث (أبغض الحلال عند الله الطلاق)، فمن الناحية العقلية اصطدم معي هذا النص بإشكاليتين الأولى هي كيف يكون حلالاً ويبغضه الله؟ والثانية أن الطلاق ربما يكون واجباً وفرضاً في حد ذاته في بعض الأحيان إذ “لا ضرر ولا ضرار”، فهل يعقل أن نفرض على اثنين استحالت عشرتهما أن يعيشا تحت سقف واحد بهذه الحجة!

في الواقع لا أحد يفكر في أن يتعنى ولو قليلاً، ليتثبت مما قد توارثه شفهياً ممن سبقه، وقد يكون ذلك مقبولاً في عصر غير عصرنا لصعوبة ذلك لغير المختص، أما اليوم ونحن نعيش في عصر الشيخ Google كما يحلو للبعض تسميته فما الذي يعيقنا عن أن نكسر حاجز التلقين ولو على سبيل الفضول، لنتثبت من بعض ما قد يثير تساؤلاتنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *