بقلم: عمر غازي
مش هنفرح بيك.. عبارة اعتاد الناس في مجتمعاتنا توجيهها في مناسبات الزواج والخطبة إلى العازبين ذكورا وإناثاً، كنوع من أنواع المجاملة، أو رغبة في مشاركتهم الأمنيات الجميلة، أو هذا ما وجدنا عليه آباءنا على أقل تقدير.
إلى هذا الحد تبدو هذه الجملة اعتيادية من نوع المجاملات الكلاسيكية التي لا ترتقي لأكثر من أحرف على الشفاه، أو كمزحة مقبولة، أو حتى أمنية جميلة من شخص يهمه أمرك.
لكن المثير في الموضوع أن تتحول هذه الجملة إلى شبح يلاحقك بمناسبة وبدون مناسبة لاسيما مع تقدمك السن وثباتك على وضعك الاجتماعي (عازب) فتتحول من مجاملة رقيقة عابثة إلى تنمر ممنهج.
فشاب مثلي في الثانية والثلاثين من عمره، يبدو في نظر من حوله لا ينقصه شيء سوى أن يحمل لقب متزوج، ولذا عليه أن يواجه سيلاً من الأسئلة المتكررة أو قل الشائعة إن جازت تسميتها، والتي لا يمل أصحابها من طرحها في كل مرة يقابلونه فيها بنفس الحماس، سواء تلقوا إجابة مقتضبة أم قوبلوا بابتسامة أو مزحة.
وتتراوح هذه الأسئلة ما بين الاستغراب من تأخره في الزواج إلى هذا الحد! وهل بدء حقاً رحلة البحث عن زوجة؟ وهل الوالدة لم تقم بدورها في مساعدته على اختيار الزوجة؟ وألم يشتاق لرؤية أبناءه؟ وألا يريد إدخال السعادة لقلب والديه قبل أن يفارقا الدنيا ولم يروا أبناءه؟! يتحول هذا الترغيب أحيانا إلى تحذير من ندم مستقبلي سيواجهه؟ وتأخذ هذه الحالة منحنى آخر عندما إلى تلميحات عن الضعف الجنسي وتطور العلم في علاجه!، في حين يعتقد الأكثر إحسانا بالظن من هؤلاء أن لك العديد من العلاقات هي بكل تأكيد سبب عزوفك عن الزواج، وأمور أخرى تغلفها الدعابة، ولسنا معنيين بنوايا أصحابها.
وأمام هذا السيل من الاهتمام غير المفهوم تكون أحياناً مضطراً إلى مجاراة سائلك بأنك تنتظر ابنة الحلال ولعل ذلك يكون قريباً، من أجل تغيير الموضوع على الأقل، وهنا تكتشف أنك ارتكبت حماقة كبيرة، إذ يتحول هذا القريب أو الزميل فجأة إلى تقمص دور أم محمد الخاطبة عندما يعود لك في اليوم التالي وهو منفرج الأسارير يخبرك أنه كلم المدام عن حالتك وقد تأثرت لذلك كثيراً وحز في خاطرها ذلك أن تراك وحيدا بلا زوجة، ومن معزته لك قررت أن تبحث لك عن عروس تليق بك، لا يسعفك الوقت لتشكره على تعبه واهتمامه إلا وقد تجد نفسك فعليا في ورطة، فالقصة باتت حقيقية وصورة العروس متوفرة لديه وموعد اللقاء رهن إشارتك.
إزاء هذه الورطة يتعين عليك إتباع تكتيك جديد وهو أن تعلن بكل وضوح أنك غير مقتنع بفكرة الزواج من الأساس على الأقل حتى هذه اللحظة من عمرك، وهو أكثر سيناريو ستندم عليه في الواقع إذ سيتحول زميلك أو قريبك فجأة من أم محمد الخاطبة إلى شخص آخر قد أحمرت عيناه واقتربت من إطلاق شرار حارق ليقول لك بلهجة حازمة يقول صلى الله عليه وسلم” أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له .. وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني”.
وهنا يبقى السؤال هل هذا النوع من التنمر المجتمعي أو التطفل الاجتماعي إن جاز التعبير يمكن أن يؤثر فعلياً في حياة بعضنا ويوجهه حتى يتجنب هذا الحرج الاجتماعي، وهل من الصحي أن تبنى أسر وبيوت لمجرد ضغوطات عائلية أو رغبات مجتمعية؟ وهل من المفترض أن يكون المجتمع نسخاً متكررة من بعضها البعض حتى في القرارات والتفاصيل الصغيرة؟ ربما حالات الفشل التي تحيط بنا تجيب عن بعض من هذه التساؤلات؟!