داعش.. ما الذي يجذب الشباب؟

بقلم: عمر غازي

يظل انجذاب شريحة من الشباب العربي والمسلم لـتنظيم داعش لغزاً محيراً لدى الباحثين والمهتمين، لاسيما إذا ما كان هذا الانجذاب لا ينطبق مع الفرضية الكلاسيكية التي تقول أن التطرف الديني أو الظروف الاقتصادية أو الجهل الدوافع الأساسية للعدد المتزايد ممن يقلبون حياتهم رأساً على عقب للانضمام إلى الجهاديين في العراق وسورية، إذ أن الواقع ينقل لنا صورة مغايرة.

عشرات الأسئلة الحائرة تبحث عن إجابة، فعلى سبيل المثال ما الذي يدفع طالبا تتلمذ في الليسيه الفرنسية ومغنّي راب، ليتمرد على نمط حياته للأبد، وهو نموذج بسيط لعشرات النماذج المتشابهة التي تداولها الإعلام العربي والعالمي.[1]

ولماذا يتدفق مئات المقاتلين من الشباب ذوي الأصول العربية وحتى فتيات في سن المراهقة وآخرون أوربيون، إلى “تنظيم داعش” حيث تشير تقارير إلى أنه يلتحق 20 شخصًا شهرياً بالتنظيم وأخواته من الجماعات المسلحة الأخرى وهو ما يزيد الحيرة لدى ذوويهم والمراقبين على حد سواء.[2]

وهل يصدق أن يكون حب المغامرة والرغبة في اكتساب الشهرة كاف للوصول إلى حافة النهاية، وهو ما يذهب إليه رئيس المركز الدولي لدراسة التطرف بجامعة كينغس، بيتر نيومن في تحليله لدوافع البريطانيين المنضمين إلى ساحات القتال في سوريا؟!!

وهل يمكن الانضمام إلى داعش من دون الحاجة للقتال، فقط من أجل العيش بين أعضاء التنظيم، بحسبما يذهب إليه الباحث في مؤسسة كويليام لدراسة مكافحة التطرف، تشارلي وينتر، حيث يرى أن هناك جاذبيةً للالتحاق بالتنظيم كجزء داعم لتوسع الخلافة وانتشارها والذي يلبي بدوره احتياجات المجندين الجدد فيما يتعلق بالدراسة والنظام الصحي، في مكان يبدو كل شيء فيه مثالياً للمسلم بالدعاية الزائفة، وهذا يراه الشباب. [3]

في محاولة الإجابة على هذه التساؤلات يمكن عزو جاذبية التنظيم لدى الشباب للأسباب التالية:

(1) استغلال الحرمان المتزايد لدى فئات من الشباب، واللعب على وتر الوعود البراقة بتحقيق ما فشلت الدولة التي تصنف في نظرهم بالعلمانية في تحقيقه: وهو الحكم العادل والإنصاف.

(2) اللعب على وتر الطائفية واستغلال شعور الضحية المتنامي لدى هؤلاء الشباب.[4]

(3) جاذبية الأسلوب الذي يستخدم من قبل تنظيم الدولة في مخاطبتة الشباب وحداثته؛ فالتنظيم على خلاف تنظيم القاعدة معظم قياداته من الشباب، وهو يعمل على مخاطبة هذه الشريحة العمرية من خلال وسائل تكنولوجيا الاتصال الحديثة، مثل يوتيوب وتويتر وفيس بوك وفليكر وإنستجرام وغيرها.[5]

(4) جاذبية الأفكار ذات الطابع “الثوري” التي يطرحها التنظيم، والتي تنادي بإقامة دولة يثرب الجديدة أو دولة الخلافة الراشدة في التصور الإسلامي.

(5) توافر الحاضنة الفكرية والثقافية للتطرف والإرهاب في المجتمعات العربية، والتي تعمل على تشكيل أفكار الشباب في فترة مراهقتهم، مما يصعب تغييرها على المدى الطويل.[6]

بالنظر إلى ما سبق ومع ما نطالعه في التقارير الإعلامية من انجذاب شريحة من الشباب للانضمام إلى التنظيم من خارج تيار الإسلام السياسي لصفوف التنظيم يمكننا عزو هذه الحالة إلى الرغبة في التمرد والتغلب على حالة الملل والروتين، وخلق جو بديل تسوده روح الإثارة والمغامرة، والظهور بمنظر البطل الأسطوري.

ويستغل التنظيم هذه الدوافع بطرحه نماذج لبعض مقاتليه يلعبون البلياردو، أو لأحد منهم خلال توقيعه بانتشاء على أحد علب الشوكولاته السويسرية الشهيرة، أو بإبرازه انضمام بعض الشخصيات الشهيرة له مثل مغني الراب الألماني السابق دينيس كوسبرت أبو طلحة أو مطرب الراب البريطاني المصري الأصل عبد المجيد عبد الباري، أو بإبراز حالة المتعة والإثارة التي يعيشها المنضمون للتنظيم، ومثال ذلك الفيديو الذي خاطب فيه شاب أسمر من مقاتلي التنظيم أقرانه قائلاً: “أشعر أني في حلم.. المتعة التي نحن فيها لا يمكنكم تخيلها.. إنها –والله- لنعمة عظيمة”.

في هذا الإطار أيضاً يمكن فهم انضمام عدد من شباب الأسر الميسورة إلى التنظيم. مثل الشاب المصري العشريني إسلام يكن وكنيته “أبو سلمة”، والتي انتشرت صوره على صفحات التواصل الاجتماعي ممتطيًا حصانه شاهرًا سيفه ظن برغم أن ظروف معيشته تكشف عن أنه من أسرة ميسورة الحال، نجحت في إلحاقه بإحدى المدارس الفرنسية واهتمت بتنمية مهاراته على أغاني الراب وممارسة الرياضة. .[7]

———

[1] أسباب الانجذاب القاتل إلى «داعش» بين الشبان العرب، مهى يحيي، جريدة الحياة اللندنية.
[2]  انجذاب الشباب لـ”داعش” يحير السلطات البريطانية!، مفكرة الإسلام.
[3]  تنامي تطرف الشباب يثير ضجة كبيرة في بريطانيا، موقع العربية نت.
[4] أسباب الانجذاب القاتل إلى «داعش» بين الشبان العرب، مهى يحيي، جريدة الحياة اللندنية
[5] لماذا ينضم شباب الإقليم إلى تنظيم “داعش”؟، يوسف ورداني، المركز الإقليمي للدراسات
[6]  المصدر السابق.
[7]  المصدر السابق.

 

نشر في موقع مركز سمت للدراسات 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *