اللانمطية في مكافحة الإرهاب

بقلم: عمر غازي

أظهرت نتائج دراسات حديثة حول الجماعات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط إلى أن توظيف حجج القتل ومبررات استخدام العنف القائمة على أدلة نصية دينية أقل كثيراً مقارنة بالاعتماد على الخطاب العاطفي المتنامي من قبل الإرهابيين.

و يصنف رئيس حملة السكينة للحوار عبدالمنعم المشوح – وهي مبادرة سعودية تشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية في السعودية وذات تجربة ثرية في مكافحة الإرهاب إلكترونيا-  الملتحقين بقوافل الإرهاب في دول الجوار إلى ثلاث فئات، تكون دوافعهم الانتقام لأقرباء متطرفين، أو من هواة المغامرة، أو أنهم عاطفيون تأثروا بلغة تحريض ملتوية.

وتشير عديد من الدراسات في السنوات الأخيرة إلى أن نحو 80 % من الإرهابيين جندوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بخلاف الفكرة السائدة من تجنيد الإرهابيين من خلال الدروس والمحاضرات والحلقات الدينية وغيرها.

ووفقا لدراسة للمركز الإقليمي للدراسات بالقاهرة لا يقتصر انجذاب الشباب للانضمام إلى التنظيم على شباب تيار الإسلام السياسي؛ فهناك انجذاب من قبل عدد من شباب الطبقات العليا في بعض البلدان لصفوف التنظيم. والسبب الرئيسي لذلك هو التمرد والرغبة في التغلب على حالة الملل والروتين، وخلق جو بديل تسوده روح الإثارة والمغامرة، والظهور بمنظر البطل الأسطوري الموجود في شاشات العرض السينمائية، كما في حالة الشاب المصري العشريني إسلام يكن وكنيته “أبو سلمة” الذي كان طالباً في مدرسة الليسيه الفرنسية بالقاهرة.

هذه النتائج وغيرها قد تعتبر مفاجئة لدى البعض، وهو ما دعا الكاتب والمحلل السياسي جوزيف براودي إلى إنتاج فيلم قصير باللغتين العربية والإنجليزية اسماه “خارج الصندوق” محاولاً فتح مسارات جديدة في فهم ظاهرة الإرهاب ومكافحتها بعيداً عن التحليلات والحلول المعلبة مستطلعاً أراء عدد من المختصين في تخصصات مختلفة رأى أنه من الممكن أن يضيفوا بآرائهم قوة للمحاولات القائمة في التصدي للإرهاب والعنف.

ويركز براودي في الفيلم على أن عصابات الجريمة المنظمة مثل المافيا الإيطالية وغيرها لديها قواسم مشتركة مع ما يسمى الجماعات الإرهابية على نحو أكثر من المتوقع وأن كل الجماعات المذكورة تعتنق أيديولوجيات خاصة بها.

وكلها تدعي امتلاكها لمنطقة ما وإدارتها والسيطرة عليها وكأنها دولة مستقلة مثلما هو الحال مع تنظيم داعش أو ما يعرف بالدولة الإسلامية.

وتتشابه هذه الجماعات في كون العنف لا يعد وسيلة لتحقيق غاية بل يمكن أن يكون غاية في حد ذاته بالإضافة إلى استغلال وسائل التواصل الاجتماعي في شن حرب كلامية وإثارة العنف وتجنيد التابعين.

في مقابلة ذلك أظهرت اللقاءات التي أجراها معد الفيلم أن  نشطاء المجتمع المدني في كثير من الدول استعانوا بالتعليم والتنمية الاقتصادية وإرساء الشراكات بين الدولة والمجتمع لتقويض الجريمة المنظمة ومواجهة هذه الجماعات المصنفة تحت مسمى المافيا دون الانتظار إلى الدعم الحكومي أو التفسيرات الأكاديمية النمطية وحققت نجاحات كبيرة على أرض الواقع وهو ما يمكن الاستفادة منها في مواجهة الإرهاب نظراً للتشابه الذي لاحظه بعيدا عن التفسيرات النمطية التي تربط الإرهاب الخطاب الديني وعوامل أخرى متفرعة عنه.

وعليه فإننا إزاء هذه الظاهرة المعقدة المتشابكة ينبغي ألا نحصر أنفسنا في نموذج واحد من المواجهة الفكرية أو الإعلامية بالتوازي مع الحل الأمني الذي تعني به أجهزة ومؤسسات الدولة الرسمية وكما أن جميع الاحتمالات أصبحت مفتوحة في نشوء ظاهرة الإرهاب وتناميها فينبغي أن تكون المواجهة كذلك.

نشر في موقع مركز سمت للدراسات 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *