عمر غازي
منذ الأزل، والبشر يتحركون بدافع مصالحهم الخاصة، حيث تتجذر فكرة “الأنا” في عمق الطبيعة الإنسانية، وقد نميل أحيانًا للاعتقاد بأن هذا التوجه الأناني هو نتاج ثقافي أو سلوك مكتسب، ولكن الأبحاث والدراسات النفسية تشير إلى أن هذه النزعة مغروسة في طبيعة الإنسان منذ البداية، فالأفراد يسعون بشكل غير واعٍ لتحقيق منافعهم أولًا، حتى في أبسط التفاعلات اليومية، حيث يتضح أن معظم تصرفاتنا تخضع لميزان خفي من المنافع والمصالح.
وفقًا لدراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2017، أظهرت النتائج أن الأشخاص يميلون إلى مساعدة الآخرين والاحترام المتبادل بشكل أكبر عندما يشعرون أن هذه التصرفات تعود عليهم بفوائد مباشرة أو غير مباشرة، قد يبدو هذا محبطًا للوهلة الأولى، ولكنه يعكس جانبًا من الطبيعة البشرية الذي يعتمد على مبدأ “المنفعة المتبادلة”.
البشر يتصرفون بطريقة تجعلهم يستثمرون في العلاقات التي تعود عليهم بفائدة ملموسة، وهذا الاستثمار العاطفي هو ما يدفعهم لخدمتك واحترامك إذا شعروا بأن هناك قيمة حقيقية تنتظرهم في المقابل. وفي هذا السياق، الحب والمودة لا يخرجان عن هذا النطاق، فالمشاعر الحقيقية غالبًا ما ترتبط بحالة من الرضا الشخصي والإحساس بالقيمة الذاتية، بحسب ما أظهرته دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا عام 2018، حيث وجد الباحثون أن الأفراد يشعرون بمشاعر الحب والانجذاب نحو من يجعلهم يشعرون بتقديرهم لأنفسهم، وبأن لهم قيمة في حياة الآخرين، وهذه الديناميكية تفسر كيف يمكن للمرء أن يكسب حب الناس من خلال جعلهم يشعرون بالرضا عن أنفسهم، إذ أن الحب غالبًا ما ينبع من شعور الفرد بأن لديه مكانة خاصة وقيمة مميزة لدى الطرف الآخر، وفقًا لهذا التوجه إذا أردت كسب الناس، فإن إحدى الاستراتيجيات الفعالة هي أن تجعلهم يشعرون بحاجتهم إليك قبل أن تظهر لهم حاجتك إليهم، وقد يبدو هذا التوجه براغماتيًا بعض الشيء، ولكنه في جوهره يستند إلى مبدأ نفسي بسيط: الأفراد يتفاعلون بشكل إيجابي مع من يشعرهم بأنهم ضروريون ومهمون، فعندما تجعل الشخص يشعر بأنه ذو قيمة، وأن له دورًا حيويًا في حياتك، فإنه يصبح أكثر انفتاحًا واستعدادًا لمساعدتك والتفاعل معك بشكل إيجابي، فالأشخاص الذين يشعرون بأهمية أدوارهم في العلاقات يصبحون أكثر تفانيًا واستعدادًا لبذل الجهد، وفقًا بدراسة أجرتها جامعة ستانفورد عام 2019.
وأخيرًا.. يبقى التساؤل مفتوحًا: هل يمكن للإنسان أن يتجاوز طبيعته البشرية التي تركز على الأنا والمصلحة الشخصية ليصبح أكثر عطاءً وتفانيًا دون انتظار مقابل؟ أم أن هذه النزعة محفورة في جوهره بشكل لا يمكن تجاوزه، مهما حاول أن يتبنى قيمًا مثالية في التعامل مع الآخرين؟