عمر غازي
في عالم تتسارع فيه التغيرات وتتلاشى فيه الحدود بين الاحترافية والهواية، ظهرت منصات التأجير الشخصي مثل Airbnb لتعيد تشكيل مفهوم الفندقة كما عرفناه، فلم تعد هذه الصناعة حكرًا على الفنادق الفاخرة أو المؤسسات الكبيرة، بل أصبحت بفضل هذه المنصات متاحة للجميع، لتحوّل الغرف الفارغة والشقق البسيطة إلى مساحات ضيافة عالمية، ليصبح ما بدأ كفكرة بسيطة لاستغلال المساحات الشخصية، اليوم حركة اقتصادية واجتماعية تعيد تعريف العمل الفندقي وتحوله إلى نشاط جماهيري.
وفقًا لتقرير أصدرته جامعة هارفارد عام 2021، فإن نسبة الأفراد الذين استفادوا من منصات التأجير الشخصي لتحقيق دخل إضافي زادت بنسبة 300% خلال العقد الأخير، وهذه الأرقام تظهر بوضوح أن هذه المنصات لم تفتح فقط أبواب العمل، بل فتحت أيضًا أبوابًا جديدة للتواصل البشري، حيث أصبحت العلاقات الشخصية والمجتمعية جزءًا لا يتجزأ من تجربة الضيافة. فالمضيف اليوم ليس مجرد مقدم خدمة، بل هو سفير لمدينته ومجتمعه، يشارك زواره ثقافته وقصصه.
لكن هذه الطفرة لم تأتِ دون تحديات، فإتاحة المجال للجميع للعمل في قطاع الفندقة أثارت تساؤلات حول معايير الجودة والأمان، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا عام 2022 أن 40% من الضيوف الذين يستخدمون منصات مثل Airbnb يضعون الثقة في التقييمات والتوصيات كمحرك رئيسي لاختيار مكان الإقامة، وهذا الاعتماد على آراء الآخرين يعكس تحولًا كبيرًا في طريقة اتخاذ القرارات، حيث أصبحت المصداقية الشخصية أكثر أهمية من العلامة التجارية.
وفي هذا السياق، فإن نجاح المضيفين في هذا المجال لم يعد يعتمد فقط على توفير مكان نظيف ومريح، بل أيضًا على تقديم تجربة إنسانية فريدة، تشير تجربة “ماريا” في البرتغال، التي بدأت تأجير غرفة صغيرة في منزلها عبر Airbnb، إلى كيف يمكن لبساطة المكان أن تتحول إلى تجربة استثنائية، لم تكن ماريا تقدم سريرًا فقط، بل كانت تقدم قصصًا عن مدينتها، ونصائح عن أماكن محلية، وشعورًا عميقًا بالانتماء، مما جعل ضيوفها يعودون مرارًا.
لكن، هل يمكن للجميع أن ينجح في هذا المجال؟ وفقًا لدراسة من جامعة أكسفورد عام 2020، فإن المضيفين الذين يحققون النجاح الدائم هم أولئك الذين يفهمون قيمة بناء الثقة وتقديم التجارب الشخصية، فالمستضيف مهما حاول أن يعمل وفق القواعد الفندقية لن يستطيع منافستها خصوصًا بالمقارنة مع الفئات الفاخرة، ولذلك لابد أن يقدم قيمة إضافية تتمثل في التجربة الفريدة.
وفي تقديري، يمكن حصر النصائح الأساسية لتحقيق النجاح في الضيافة الشخصية بشكل احترافي على النحو التالي:
1. تقديم تجربة مخصصة لكل ضيف، تجمع بين الراحة والانفتاح على الثقافة المحلية.
2. الاستثمار في تقديم مساحة نظيفة وآمنة تتجاوز توقعات الضيوف.
3. الاستفادة من المراجعات والتقييمات لتحسين الخدمة باستمرار.
ورغم ذلك، يبقى السؤال: هل هذه المنصات تمثل مستقبل الفندقة للجميع حقًا، أم أنها مجرد خطوة مؤقتة في تحول أوسع قد يعيد المركزية إلى القطاع الفندقي؟ وهل يمكن للإنسان أن يحافظ على الطابع الإنساني لهذه التجربة وسط تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وأتمتة العمليات؟
المصدر: إم إيه هوتيلز