عمر غازي
طالما كانت عبارة “العميل على حق”، أو “الزبون على حق”، قاعدة ذهبية في عالم الأعمال، توجهت من خلالها الشركات لتحقيق رضا العملاء وبناء علاقة قوية معهم، لكن ما يغفل عنه البعض هو أن الانصياع المطلق لرغبات العميل، حتى وإن كانت غير ممكنة أو غير مهنية، قد يؤدي إلى نتائج كارثية في المشاريع على المدى البعيد، فالشركات التي تتبنى هذه العبارة دون تفكير غالبًا ما تواجه تحديات كبيرة في تحقيق أهدافها، وفي بعض الأحيان ينتهي بها الأمر إلى الفشل، فرضا الناس غاية لا تدرك في النهاية.
المفهوم الأساسي خلف هذه العبارة يكمن في الرغبة بتقديم أفضل خدمة ممكنة، وبناء علاقة قوية مع العملاء قائمة على الثقة والاحترام، فعندما يشعر العميل بأن رأيه أو احتياجاته هي الأولوية، فإن ذلك يعزز من ولائه، ويقوي من علاقته بالشركة أو المؤسسة، لكن الحقيقة التي نتعلمها بمرور الوقت هي أن الأمور ليست دائمًا بهذه البساطة، فالعميل قد يطلب أشياء تتعارض مع القواعد المهنية، أو ربما تكون توقعاته غير واقعية، وهنا يظهر التحدي: كيف يمكننا الموازنة بين إرضاء العميل والحفاظ على المبادئ المهنية؟
في هذا السياق، أشارت دراسة من جامعة كامبريدج عام 2020 إلى أن 45% من المشاريع التي فشلت كانت بسبب تلبية طلبات غير واقعية أو غير قابلة للتنفيذ من العملاء، وهذا الانصياع التام لطلبات العميل يُضر بالمشروع على المدى البعيد، إذ يتم تخصيص الموارد والوقت لتحقيق شيء مستحيل، مما يؤدي إلى فشل المشروع أو تقديم نتائج ضعيفة لا ترضي الطرفين.
من جانب آخر، تُظهر الشركات ذات الخبرة الاستشارية الطويلة فهمًا أعمق لهذه المشكلة، فبدلًا من الانصياع الأعمى لمطالب العميل، تتخذ تلك الشركات نهجًا استشاريًا مدروسًا يهدف إلى توجيه العميل بلطف نحو الحلول الممكنة والفعالة، حيث أظهرت نتائج دراسة أجرتها جامعة ستانفورد عام 2019 أن الشركات التي تتبنى نهج “العميل المستشار” تحقق نسبة نجاح أعلى في المشاريع بنسبة 30% مقارنة بتلك التي تنصاع بشكل كامل لكل طلبات العميل، وهذه الشركات تعمل على تطوير علاقة قائمة على الحوار، بحيث تتيح للعميل رؤية الصورة الأكبر وفهم الحدود التقنية والمهنية لكل طلب.
في عالم الخدمات، ليس من النادر أن نواجه مواقف يكون فيها العميل مخطئًا، سواء في تصوره للمنتج أو الخدمة، أو حتى في توقعاته غير الواقعية، فقد يطلب العميل شيئًا لا يمكن تقديمه، أو قد يتوقع أن تتم الخدمة بطريقة غير ممكنة، فهل يعني هذا أننا نتجاهل حاجاته؟ بالطبع لا، ولكننا بحاجة إلى إيجاد طريقة لتوجيهه بلطف نحو فهم حدود الخدمة أو المنتج.
“العميل على حق” قد تكون عبارة مضللة إذا أُخذت بشكل مطلق، فالأمر لا يتعلق بالحقائق، بقدر ما يتعلق بالطريقة التي نتعامل بها مع العميل، بطريقة تجعل من حقه مفهومًا ضمن السياق الصحيح، فالعميل قد يكون مخطئًا في بعض الأحيان، ولكن دورنا لا يتمثل في إخباره بذلك بطريقة فظة، بل في تقديم حلول تساعده على رؤية الصورة بشكل أوضح.
كما أن “العميل على حق” لا يعني بالضرورة التضحية بمبادئنا المهنية، هناك حدود أخلاقية ومهنية لا يمكن تجاوزها في سبيل إرضاء العميل، ومن الضروري أن نتذكر أن جودة الخدمة لا تعني دائمًا الاستجابة لكل طلب دون تفكير، هناك فن في التعامل مع هذه المواقف، ويكمن في كيفية تحويل التوقعات غير الواقعية إلى حوار بناء يفيد الطرفين.
قد يكون القول الأكثر دقة هو: “العميل يستحق أن يستمع إليه”، وهذا الاعتراف بحق العميل في أن يعبر عن رأيه واحتياجاته هو ما يبني الثقة والاحترام بين المؤسسة والعميل، لكن في الوقت ذاته، لا يمكن أن يكون العميل دائمًا على حق، الأمر يتطلب تفهمًا وصبرًا، وتواصلًا مستمرًا قائمًا على الوضوح والاحترام المتبادل، ولذا فإن “العميل على حق” ليس شعارًا بقدر ما هو تذكير دائم لنا بأن النجاح في أي علاقة تجارية يعتمد على الاستماع الجيد، والفهم العميق، والتواصل الفعال.
المصدر: الترند العربي