عمر غازي
نمرّ بلحظات حاسمة، في حياتنا، تلك اللحظات التي نقف فيها أمام مفترق طرق، حيث يتوجب علينا اتخاذ قرار قد يغيّر مسار حياتنا بأكملها، بعض هذه القرارات قد تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها تحمل في طياتها تغييرات جذرية، بينما البعض الآخر قد يكون مصيريًا، نُثقل به عقولنا لأيام وليالٍ.. لكن ماذا عن تلك الطرق التي لم نسلكها؟ ماذا عن القرارات التي لم نتخذها؟ هل نظل نحمل معها شعورًا بالندم أو الفضول حول ما كان يمكن أن يكون؟
في دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2016، وُجد أن 77% من الأشخاص يفكرون بانتظام في القرارات التي لم يتخذوها، مما يشير إلى أن الشعور بالفضول تجاه “الطرق التي لم تُسلك” هو سمة بشرية طبيعية، ومع ذلك، فإن التفكير المفرط في هذه الفرص الضائعة قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يتحول الفضول إلى شعور دائم بالندم أو حتى القلق، فالأشخاص الذين يقضون وقتًا طويلاً في التفكير في الخيارات السابقة يميلون إلى أن يكونوا أقل رضا عن حياتهم بشكل عام.
لكن السؤال الأعمق هو: هل نحن فعلاً نتخذ القرارات بمحض إرادتنا أم أن الحياة تُسيّرنا نحو بعض القرارات دون وعي منا؟ الدراسات النفسية تشير إلى أن القرارات قد تكون في كثير من الأحيان انعكاسًا لعوامل خارجية مثل البيئة، والأسرة، أو الظروف الاقتصادية، حيث أظهرت دراسة من جامعة كاليفورنيا عام 2018 أن 65% من القرارات الحياتية الهامة يتأثر بشكل كبير بالعوامل البيئية والاجتماعية المحيطة، وليس بالمبادرات الفردية الخالصة.
كما أن فكرة “الطرق التي لم نسلكها” قد تكون مرتبطة بفكرة “التنافر المعرفي”، حيث يواجه الإنسان صعوبة في التوفيق بين القرارات التي اتخذها والفرص التي ضاعت بسببها، وفقًا لدراسة نشرتها جامعة ستوكهولم عام 2018، فإن التفكير المستمر في الفرص الضائعة يرتبط بزيادة مستويات القلق والتوتر، مما يؤدي إلى تراجع في الصحة النفسية والبدنية.
إلى جانب ذلك، يوضح علم النفس أن التركيز على الفرص التي فاتتنا قد يكون مفيدًا إذا تم استخدامه كوسيلة للتعلم من الماضي وتجنب الأخطاء في المستقبل، ففي حين أن التفكير في “الطريق الذي لم نسلكه” قد يبدو محبطًا، إلا أنه يمكن أن يكون دافعًا لتحسين القدرة على اتخاذ قرارات أفضل في المستقبل.
وبشكل عام، يبقى لكل طريقٍ نسلكه قصته الخاصة، ومع كل قرار نتخذه أو لا نتخذه، نتعلم المزيد عن أنفسنا وعن الحياة. قد تكون الطرق التي لم نسلكها هي تلك التي تُضيء لنا الطريق الذي نحن عليه الآن، وتمنحنا القدرة على رؤية الحياة من منظور أعمق وأكثر تأملًا.