عمر غازي
في عام 2013، أثار إعلان لشركة American Apparel جدلاً واسعًا عندما استخدم صورة لعارضة أزياء بملابس رياضية ضيقة ومثيرة في محاولة للترويج لمنتجاتها، وقد أثار هذا الإعلان انتقادات شديدة لأنه ركز على جسد المرأة كمجرد وسيلة لجذب الانتباه، مما أدى إلى اتهام الشركة بتسليع المرأة وتحويلها إلى أداة تسويقية بحتة، وفي عام 2018، تعرضت إحدى نجمات هوليوود، الممثلة الشابة جينيفر لورانس، لحملة انتقادات شديدة عندما ظهرت في جلسة تصوير ترويجية لفيلمها وهي ترتدي فستانًا كاشفًا بينما كان باقي فريق العمل يرتدون ملابس شتوية دافئة. أثارت هذه الصورة جدلاً واسعًا حول كيفية استغلال جسد المرأة في التسويق والإعلام، حيث شعر الكثيرون بأن لورانس كانت تُستخدم كأداة لجذب الانتباه فقط، دون أي اعتبار لمهاراتها التمثيلية أو إنجازاتها المهنية.
الأمثلة السابقة مجرد غيض من فيض، حيث تشير دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية في عام 2018 إلى أن تسليع المرأة يمثل جزءًا كبيرًا من صناعة الإعلان العالمية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، حيث أظهرت الدراسة أن 40% من الإعلانات التجارية تستغل جسد المرأة بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يعزز الصور النمطية السلبية ويزيد من الفجوة بين الجنسين، فعندما تُعامل المرأة كأداة لتحقيق الأرباح بدلاً من كائن بشري ذو حقوق وكرامة، تتضرر المجتمعات وتزداد الفوارق.
مصطلح “تسليع المرأة” يشير إلى تحويل النساء إلى منتجات يمكن استغلالها لتحقيق مكاسب اقتصادية أو جنسية. هذا المصطلح يعبر عن فقدان القيمة الإنسانية للمرأة، حيث تُعامل كوسيلة لتحقيق الأرباح بدلاً من كائن بشري ذو حقوق وكرامة، ويتجلى هذا التسليع في العديد من الأشكال، منها الإعلانات التجارية التي تستغل جسد المرأة للترويج للمنتجات، وصناعة الإباحية، وأشكال أخرى من الاستغلال الجنسي والتجاري.
من بين المساوئ الخطيرة لتسليع المرأة هو تعميق الفجوة بين الجنسين وتعزيز الصور النمطية السلبية، فعندما تُصور النساء كسلع، يتم تقويض الجهود الرامية إلى تحقيق المساواة بين الجنسين وإزالة الحواجز التي تواجهها النساء في مختلف المجالات، وهو ما يرسخ بدوره فكرة أن قيمة المرأة تكمن فقط في مظهرها الخارجي وقدرتها على جذب الانتباه، مما يقلل من قيمة إنجازاتها وإمكاناتها الإنسانية.
يؤدي تسليع المرأة أيضًا إلى زيادة معدلات العنف ضد النساء، بحسب دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية في عام 2019 أشارت إلى أن النساء اللواتي يُعاملن كسلع أكثر عرضة للعنف الجسدي والنفسي، ويتجلى هذا العنف في شكل اعتداءات جنسية، واستغلال في العمل، وزيادة معدلات الجرائم ضد النساء، وما ذاك إلا لأن المجتمع الذي يرى النساء كسلع يسهل عليه تبرير هذا العنف والاعتداء، مما يعمق من معاناة النساء ويزيد من تهميشهن.
وربما يكون هذا التسليع نابعًا بشكل كبير من النزعات المادية التي غزت عقول البشر في العقود الأخيرة، وعادة ما تركز على القيمة الاقتصادية للأشياء والأشخاص. ففي هذه الفلسفات، يُنظر إلى كل شيء من منظور الربح والخسارة، بما في ذلك العلاقات الإنسانية، سواء بشكل واعٍ أو غير واعٍ، فعندما يُعامل الإنسان، وبالأخص المرأة، كوسيلة لتحقيق الأرباح، تُفقد القيم الإنسانية والأخلاقية في المجتمع. وفي هذا السياق تقول خبيرة الإعلام النسوي الدكتورة جانا فيرونيكا من جامعة كاليفورنيا: “عندما يتم تصوير النساء بشكل مستمر كأدوات جنسية أو كائنات تُستخدم لتحقيق الأرباح، فإن هذا يؤدي إلى تقويض الجهود المبذولة لتحقيق المساواة بين الجنسين”.
بالإضافة إلى ذلك، تؤدي هذه النزعات المادية إلى تعزيز التمييز والظلم الاجتماعي، لأن استخدام جسد المرأة كأداة تسويقية يعزز من ثقافة الاستهلاك المفرط ويقلل من قيمة العلاقات الإنسانية، كما يؤدي إلى تهميش النساء في المجالات المهنية والعلمية، حيث تُعتبر المرأة مجرد ديكور وليس كفرد ذو إمكانيات ومهارات.
وتوضح دراسة أجرتها جامعة ستانفورد في عام 2019 أن النساء اللواتي يتعرضن باستمرار للصور النمطية التي تركز فقط على جسدهن يعانين من ضغوط نفسية شديدة لتحقيق معايير غير واقعية للجمال، مما يؤثر على صحتهن النفسية والجسدية، كما يعزز هذا التسليع من الشعور بالضعف وفقدان الثقة بالنفس، مما يحد من قدرتهن على تحقيق إمكاناتهن الكاملة.
المشكلة الأعمق أننا ننساق مع هذا التيار تحت دعاوى المساواة، والحرية، والتقدم، والتحرر من الرجعية، دون النظر بعقلانية في ماهية هذا الاتجاه وخطورته، فكل المبادئ والقيم الدينية والإنسانية تحتم علينا أن نواجه هذه النزعات المادية الدونية، وأن نسعى للعمل على تغيير الصور النمطية التي في حقيقتها تنتقص من كرامة المرأة.