عمر غازي
في عام 1597، كتب وليم شكسبير مسرحيته الشهيرة “روميو وجوليت”، حيث سرد قصة الحب المأساوية بين العاشقين الشابين من عائلتين متعاديتين في فيرونا، فالعاشقين لم يكتب لهما أن يتزوجا ويعيشا حياة مشتركة، وانتهت قصتهم بمأساة جعلت منها واحدة من أعظم قصص الحب في الأدب العالمي، أيضًا في الذاكرة التراثية العربية نجد قيس وليلى، الذين نشأ حبهما منذ الصغر، ولم يتمكنا من الزواج بسبب معارضة عائلتيهما، مما دفع قيس إلى الجنون، وكذلك عنتر وعبلة، الذين واجها تحديات اجتماعية وقبلية، فتعثر مشروع زواجهما أيضًا، مما أضاف إلى قصة حبهم طابعًا أسطوريًا لا يُنسى، هذه القصص الأسطورية، التي لم تنتهِ بالزواج، أثرت بشكل كبير في الثقافة الجماهيرية وأصبحت رمزًا للحب الحقيقي الذي يتحدى كل العقبات
هناك أمثلة أخرى من التاريخ والأدب، مثل تريستان وإيزولد، العشاق الذين تأثرت قصتهم بالسحر والمصير المأساوي، وكذلك الأميرة الهندية مييرا وعاشقها كريشنا، حيث لم يتزوجا أبدًا، ولكن حبهم الروحي بقي خالدًا عبر الزمن.
تشير العديد من الدراسات إلى أن الحب الرومانسي، الذي يتميز بالشغف والشوق والتضحية، قد يتغير مع مرور الوقت عند الدخول في علاقة زوجية، ففي دراسة نشرتها مجلة “علم النفس الاجتماعي” عام 2014 أوضحت أن الحب الرومانسي القوي يمكن أن يتلاشى تدريجيًا بعد الزواج نتيجة الروتين اليومي والمسؤوليات المشتركة.
وفي عام 2016 أجرى الباحثون في جامعة ستانفورد دراسة أظهرت نتائجها أن الزواج يمكن أن يغير ديناميكية العلاقة بشكل كبير، كونه يتطلب التكيف مع التوقعات والمسؤوليات اليومية، مما يمكن أن يقلل من الشغف الرومانسي، الدراسة أظهرت أن الأزواج الذين يستثمرون في الحفاظ على العلاقة الرومانسية من خلال التواصل الفعال وقضاء وقت ممتع معًا يتمكنون من الحفاظ على شعلة الحب مشتعلة، ولكن هذا يتطلب جهدًا مستمرًا.
من الأمثلة الواقعية، نجد حالة الكاتبة الفرنسية الشهيرة جورج ساند، التي كانت على علاقة حب عميقة مع الموسيقار فردريك شوبان، على الرغم من حبهم الكبير، لم يتزوجا، وقد يكون هذا هو السبب في بقاء قصة حبهم خالدة ومؤثرة، على النقيض، تشير حياة العديد من الأزواج المشاهير الذين تزوجوا وانتهت علاقاتهم بالطلاق إلى أن الزواج يمكن أن يضيف تعقيدات قد تؤدي إلى تلاشي الحب الرومانسي.
وفي ذات السياق تشير دراسة نشرتها مجلة “علم النفس الأسري” في عام 2018 حول تأثير الزواج على الحب الرومانسي، إلى أن الأزواج الذين يتبنون توقعات واقعية ويحافظون على تواصل مفتوح ويتمتعون بدعم اجتماعي قوي يتمكنون من الحفاظ على علاقة زوجية صحية ومستدامة، ومع ذلك، كما أوضحت الدراسة أيضّا إلى أن الزواج يتطلب تحويل الحب الرومانسي إلى شراكة تعتمد على الالتزام والتعاون.
بالإضافة إلى ذلك، تظهر الأبحاث أن القصص التي تنتهي بدون زواج أو بمأساة غالبًا ما تترك تأثيرًا أكبر على الثقافة الجماهيرية، وهو ما دفع الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر إلى أن يعتقد أن الحب المثالي هو ذلك الحب الذي لا يصل إلى الزواج، لأن الزواج يضع الحب أمام اختبار الحياة اليومية وتحدياتها التي لا تنتهي.
من الناحية العلمية، يمكن تفسير هذه الظاهرة عبر دراسة التفاعلات الكيميائية في الدماغ المرتبطة بالحب، ففي دراسة نشرتها مجلة “نيتشر” في عام 2010 أظهرت النتائج أن الحب الرومانسي يثير نشاطًا في مناطق معينة من الدماغ ترتبط بالتحفيز والمكافأة، هذه المناطق تطلق مواد كيميائية مثل الدوبامين والأوكسيتوسين التي تعزز مشاعر الشغف والسعادة، مع مرور الوقت، ومع دخول العلاقة في مرحلة الزواج، قد يقل إفراز هذه المواد نتيجة الروتين والتكرار، مما يؤدي إلى تراجع الشعور بالشغف
وأخيرًا، تبقى قصص العشاق الأسطوريين مثل روميو وجوليت، وقيس وليلى، وعنتر وعبلة، رمزًا للحب الرومانسي الذي لا يتأثر بمرور الزمن، ولكن ربما لو تزوج هؤلاء العشاق، لتحولت قصصهم إلى قصص عادية يواجهون فيها تحديات الحياة اليومية، فالزواج قد يغير من طبيعة الحب، ولكنه لا يقتله بالضرورة، لذا من المهم أن ندرك أن الحب يحتاج إلى جهد مستمر لتظل جذوته مشتعلة في أفئدتنا.
المصدر: الترند العربي