عمر غازي
في عصر التكنولوجيا الرقمية وانتشار الإنترنت بشكل واسع، تنامت ظاهرة التسول الإلكتروني كواحدة من الظواهر الاجتماعية الحديثة والمثيرة للجدل، وتعتبر هذه الظاهرة تطورًا لأساليب التسول التقليدي، حيث يستخدم المتسولون الآن الوسائل الرقمية للوصول إلى جمهور أوسع والحصول على التبرعات بشكل مباشر عبر الإنترنت.
تتنوع أشكال التسول الإلكتروني بشكل كبير، حيث يمكن أن يتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو المواقع الإلكترونية، والبث المباشر، فعلى سبيل المثال، قد يقوم بعض الأفراد بإنشاء حسابات على منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام، ويطلبون المساعدة المالية بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة، يمكن أن يكون هذا الطلب في صورة منشورات نصية، أو فيديوهات تسلط الضوء على الحالة الإنسانية الصعبة التي يمرون بها. ومع ظهور تطبيق تيك توك، تطورت أشكال التسول الإلكتروني لتشمل البث المباشر، حيث يقوم المتسولون بالبث المباشر لحياتهم اليومية أو لمواقف درامية بهدف جذب التعاطف والتبرعات من المتابعين.
تعتبر ظاهرة التسول الإلكتروني خطيرة على الأجيال القادمة، إذ أنها تروج لفكرة الحصول على المال بسهولة ودون عمل جاد، مما يمكن أن يؤثر سلبًا على قيم العمل والإنتاجية في المجتمع، كما أن هذه الظاهرة قد تستغل بشكل غير أخلاقي من قبل بعض الأفراد الذين يختلقون قصصًا كاذبة لجمع التبرعات، مما يزيد من صعوبة التمييز بين الحالات الحقيقية والمزيفة، وبالتالي يمكن أن يقلل من رغبة المجتمع في تقديم المساعدة للمحتاجين الحقيقيين، كما أنها في الوقت ذاته قد تسهم سلبًا في عدم الوصول إلى المتعففين من المحتاجين، باكتفتاء الأفراد والمنظمات بالوصول إلى هولاء ممن يجاهرون بمطالبهم، وهو تطور خطير.
في هذا السياق، أجريت بعض الدراسات التي تناولت ظاهرة التسول الإلكتروني ونتائجها، على سبيل المثال، دراسة أجرتها جامعة نوتنغهام ترنت في المملكة المتحدة عام 2018، أظهرت أن نسبة كبيرة من التبرعات التي يتم جمعها عبر الإنترنت قد لا تصل إلى المستفيدين الفعليين، بل تُستخدم في أغراض أخرى غير معلنة، كما أظهرت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة عام 2020، أن الأطفال والشباب الذين يشاهدون هذه النوعية من المحتوى بشكل متكرر قد يتأثرون سلبًا، حيث تنمو لديهم تصورات غير واقعية عن كيفية كسب المال والاعتماد على الآخرين بدلاً من الاعتماد على الذات، وفي دراسة أحدث أجرتها جامعة كامبريدج عام 2023، وجدت أن هناك تزايدًا في استخدام الوسائل الرقمية في التسول بشكل محترف، حيث يتم استخدام تقنيات تحرير الفيديو وصناعة القصص لجذب المتبرعين بشكل أكبر.
لمواجهة هذه الظاهرة، بدأت بعض الدول في اتخاذ إجراءات قانونية وتشريعات تهدف إلى تنظيم ومراقبة عمليات جمع التبرعات عبر الإنترنت، تتضمن هذه التشريعات فرض رقابة على المنصات الإلكترونية التي تُستخدم لجمع التبرعات، والتحقق من مصداقية الجهات التي تقوم بجمع الأموال. كما تم وضع قوانين تعاقب الأفراد الذين يثبت عليهم استخدام الإنترنت لأغراض التسول غير المشروع، بهدف حماية المجتمع وضمان وصول المساعدات إلى من يستحقها فعلاً.
ومن أجل التفريق بين الحالات الإنسانية الحقيقية والكاذبة، يمكن اتباع عدة خطوات. أولاً، يجب البحث عن معلومات موثوقة حول الحالة المقدمة، مثل طلب تقارير طبية أو وثائق رسمية تدعم القصة. ثانيًا، يمكن التبرع عبر منظمات خيرية معترف بها وموثوقة، حيث تعمل هذه المنظمات على التحقق من الحالات قبل تقديم المساعدة،وتوجيه المستفيد للتواصل مع هذه المنظمة للحصول على التبرع بعد التنسيق معهم. ثالثاً، ينبغي توخي الحذر من الحسابات الجديدة وغير الموثقة التي تطلب التبرعات، والتحقق من سجل الحساب ونشاطاته السابقة.
التسول ظاهرة معقدة تتطلب تكاتف الجهود من قبل الحكومات والمجتمع المدني للحد من تأثيراتها السلبية، وانتقاله إلى العالم الرقمي يزيد الأمر تعقيدًا، ما يستوجب المزيد من العمل لضمان أن تُستخدم التكنولوجيا الرقمية في خدمة المجتمع بطرق إيجابية وأخلاقية.
المصدر: الترند العربي