عمر غازي
تتردد مقولة “التاريخ يكتبه المنتصرون” كثيرًا في النقاشات الفلسفية والتاريخية، وفي تقديري الشخصي ربما تكون المقولة الأكثر دقة “التاريخ يكتبه الكاذبون”، وبطبيعة الحال لا أهدف هنا للتعميم وإنما للتفكر في مدى صدق الروايات التاريخية التي وصلت إلينا عبر الزمن، من خلال عدد من الملاحظات التي لا يمكن تجاهلها، فالتاريخ، كما يُقال، ليس مجرد تسجيل للأحداث بقدر ما هو انعكاس لأهواء وأهداف من يروونه.
يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه “التاريخ ليس إلا بناء اجتماعي يتشكل وفقًا لمصالح الأقوياء”، فالسرديات التاريخية ليست دائمًا مرآة للحقيقة، بل هي نسخ من الأحداث تم تشكيلها لتخدم مصالح معينة، لنأخذ مثالًا من الحروب العالمية، حيث استخدمت الأنظمة الدعائية لتشكيل الروايات الرسمية، ففي ألمانيا النازية، كان جوزيف غوبلز، وزير الدعاية، يعتمد على مبدأ “الكذبة الكبيرة”، حيث يكرر أكاذيب ضخمة حتى يصدقها الناس، وهذا المثال يعكس كيفية تحريف الوقائع التاريخية لخدمة أجندات سياسية محددة.
في السياق الأمريكي، نجد أن التاريخ المكتوب عن تعامل المستوطنين الأوروبيين مع السكان الأصليين يغفل الكثير من الحقائق البشعة مثل الإبادة الجماعية والتشريد، فالروايات الرسمية تقدم صورة مشوهة تبرر التوسع الأمريكي على حساب السكان الأصليين.
وعند النظر في الثورة الفرنسية، نجد أن العديد من تفاصيلها تعرضت للتحريف، فالروايات التاريخية غالبًا ما تقدم الثوار كأبطال بلا عيوب، في حين أن الوقائع تظهر أن الكثير من الجرائم والفظائع ارتُكبت باسم الثورة.
حتى في الحروب القديمة مثل معركة كوسوفو 1389، نجد أن الروايات القومية قدمتها كمعركة بطولية رغم أنها كانت غير حاسمة، وهذا النوع من التحريف يعكس كيف يمكن للتاريخ أن يُعاد تشكيله ليخدم أهدافًا معينة.
في دراسة أجرتها جامعة ييل في عام 2020 كشفت عن تلاعب الحكومات بالتاريخ لتوافق رواياتها الرسمية، فالكتب المدرسية في بعض الدول تقدم نسخًا محرفة من الأحداث التاريخية لتعزيز الأيديولوجيات الوطنية، مما يؤكد فكرة أن التاريخ يمكن أن يكون أداة للتلاعب بالعقول، وعندما كنت طفلًا صغيرًا في المرحلة الإبتدائية في مصر كنا ندرس في مادة الدراسات الاجتماعية رؤساء مصر ولم يكن من بينهم محمد نجيب وهو أول رئيس بعد سقوط الملكية، ولكن عندما عدت للمنزل أخبرني والدي أن هناك رئيسًا قبل عبدالناصر ولكنه انقلب عليه وكان السبب في حذفه، وقد قرأت لاحقًا أنه عاد للمناهج المصرية بعد أحداث 25 يناير.
في نهاية المطاف، يجب أن نتعامل مع التاريخ بعين ناقدة، مع إدراك أن ما وصل إلينا قد يكون جزءًا من الحقيقة وليس كلها، فالنقد والتحليل العميقين لمصادر التاريخ، والاستعانة بشهادات متعددة، يمكن أن يقودنا إلى فهم أعمق للأحداث، كما قال جورج أورويل: “من يتحكم في الماضي، يتحكم في المستقبل”.
المصدر: الترند العربي