عمر غازي
الذكاء صفة ثابتة تُولد معنا وتبقى كما هي طوال حياتنا، هذا ما يعتقده كثير منا، ولكن الحقيقة تبدو على النقيض تمامًا، حيث تشير العديد من الدراسات إلى أن الذكاء يمكن أن ينمو ويتطور مع مرور الوقت، ومع ذلك، هناك اعتقاد بأن هذا النمو يتباطأ أو يتوقف بعد سن الأربعين.
تشير دراسة نشرتها مجلة “علم النفس التطبيقي” في عام 2011 إلى أن الذكاء يمكن أن ينمو بشكل ملحوظ خلال سنوات الشباب وحتى منتصف العمر، على أن يبدأ هذا النمو في التباطؤ تدريجيًا بعد سن الأربعين.
الباحثون في جامعة كاليفورنيا أجروا دراسة عام 2015 تشير إلى أن النمو العقلي يعتمد بشكل كبير على البيئة المحيطة والتجارب الشخصية. على سبيل المثال، الأشخاص الذين يستمرون في التعلم ويواجهون تحديات جديدة يكون لديهم معدل نمو أعلى في قدراتهم العقلية مقارنة بأولئك الذين يبتعدون عن الأنشطة العقلية المجهدة، هذه الدراسة تدعم فكرة أن الذكاء ليس ثابتًا ويمكن أن يتطور مع الزمن، ولكنه يحتاج إلى البيئة المناسبة والدعم المستمر.
من الأهمية بمكان إدراك أن التحديات التي تواجهنا في مراحل معينة من حياتنا ليست بالضرورة انعكاسًا لقدراتنا العقلية بشكل دائم. العديد من الناس يحكمون على قدراتهم وذكائهم من خلال تجارب سلبية مروا بها في مراحل عمرية مبكرة، فعلى سبيل المثال، طالب يعاني من صعوبات في مادة الرياضيات في المدرسة قد يعتقد أنه “غير ذكي” في هذا المجال طوال حياته. ولكن، الدراسات تشير إلى أن العقل البشري لديه قدرة هائلة على التكيف والنمو إذا ما توفرت له الفرص والتوجيه الصحيح.
في دراسة أخرى نشرتها جامعة هارفارد في عام 2018، تبين أن الأشخاص الذين يواجهون تحديات تعليمية ومهنية جديدة في مراحل متقدمة من حياتهم يمكنهم تحسين مهاراتهم العقلية وزيادة ذكائهم، أشارت الدراسة أيضًا إلى أن التعليم المستمر والمشاركة في أنشطة تعزز التفكير النقدي يمكن أن تساعد في الحفاظ على القدرات العقلية حتى مع تقدم العمر.
الباحثون أيضًا وجدوا أن الاعتقاد بقدرة الذكاء على النمو يلعب دورًا هامًا في تحقيق النجاح الشخصي، فالأشخاص الذين يؤمنون بأنهم قادرون على تطوير ذكائهم يميلون إلى اتخاذ خطوات فعالة لتحسين أنفسهم ومواجهة التحديات بشكل أكثر إيجابية. هذا الاتجاه النفسي يمكن أن يكون محفزًا قويًا للتعلم المستمر والنمو العقلي.
من الأمثلة العملية على ذلك هو العالم الشهير ألبرت أينشتاين، الذي لم يكن يُعتبر طالبًا متفوقًا في صغره ولكنه استمر في مواجهة التحديات وتطوير نفسه ليصبح أحد أبرز العلماء في التاريخ. مثال آخر هو ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، الذي واجه العديد من الإخفاقات في حياته المهنية والسياسية قبل أن يحقق نجاحاً باهراً في فترة لاحقة من حياته، مما يدل على أن المثابرة والتعلم المستمر يمكن أن يقودا إلى نمو كبير في القدرات والذكاء.
نجد أيضًا المثال الملهم لجوليا تشايلد، الطاهية الشهيرة ومقدمة البرامج التلفزيونية، التي لم تبدأ مسيرتها في الطهي حتى سن متأخرة من حياتها. تشايلد لم تكن تعرف الكثير عن الطهي في شبابها، ولكنها تعلمت وطورت مهاراتها بشكل كبير بعد سن الأربعين، مما يدل على أن العمر ليس عائقًا أمام النمو العقلي والإبداعي.
لذا، من المهم ألا نحكم على قدراتنا أو قدرات أبناؤنا من خلال تجارب سلبية في مراحل مبكرة، حتى لا يكون عائقًا كبيرًا أمام تحقيق إمكانياتنا الكاملة.
المصدر: الترند العربي