عمر غازي
في بحر التعقيدات الإنسانية، يبدو الحياد كملاذ آمن، يستتر خلفه البعض تحت سعار الموضوعية والتوازن، لكن، هذا الإدعاء، الذي يبدو مثاليًا، غالبًا ما يكون مجرد قناع لانحيازات خفية وغير معترف بها.
العديد من الأشخاص يقعون في فخ الاعتقاد بأنهم ينتهجون موقفًا محايدًا، بينما في الحقيقة، قد يكونون متحيزين بطرق غير مرئية.. هذا الوهم يعقد النقاشات، ويشوه الحقائق، ويخفي تحت ستاره ميولًا وقناعات غير معلنة.
لفهم هذا الوهم، من الضروري تحليل ما نعنيه بـ “الحياد” و”الانحياز”، الحياد يعني عدم تفضيل طرف على آخر، في حين أن الانحياز يعني التحيز لطرف معين، غالبًا ما يكون مدفوعًا بمعتقدات شخصية أو اجتماعية. ومع ذلك، الحياد الكامل نادرًا ما يكون ممكنًا، إذ أن الانحيازات، حتى تلك التي لا ندركها، يمكن أن تشكل تفاعلاتنا وقراراتنا.
في سياق النقاش العام، غالبًا ما يتم تقديم الحياد على أنه النهج الأمثل، لكن هذا يتجاهل حقيقة أن كل فرد يأتي بمجموعة من التجارب والمعتقدات التي تؤثر على تفكيره وتصرفاته. هذه الحقيقة تجعل الحياد المطلق غير قابل للتحقيق في الواقع. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للحياد المزعوم أن يكون وسيلة لإخفاء مواقف قد تكون مشكلة أو غير شعبية، وذلك بتجنب اتخاذ موقف واضح.
في السياقات المهنية، يُطلب من الأفراد غالبًا اتخاذ موقف محايد، خاصة في مجالات مثل الصحافة والقضاء. ومع ذلك، حتى في هذه المجالات، يمكن للانحيازات الشخصية والثقافية أن تؤثر على كيفية تقديم المعلومات وتفسير القوانين، لذلك من المهم الاعتراف بهذه الحقيقة والعمل نحو تقليل تأثير هذه الانحيازات قدر الإمكان.
لتحقيق فهم أعمق للتفاعلات الاجتماعية والسياسية، يجب علينا الاعتراف بأن الحياد الكامل قد لا يكون ممكنًا، وأن الانحيازات، حتى تلك التي لا ندركها، يمكن أن تشكل تفاعلاتنا وقراراتنا. هذا الاعتراف لا يقلل من قيمة السعي نحو الحياد، ولكنه يدعو إلى وعي أكبر بالتأثيرات الخفية التي تشكل مواقفنا وتصرفاتنا.