الأبدية الرقمية

عمر غازي

في يومٍ من الأيام، كنت أتصفح إحدى منصات التواصل الاجتماعي حينما ظهر لي إشعار لذكرى قديمة مع أحد أصدقائي الذي وافته المنية قبل عدة سنوات، كانت الصورة نابضة بالحياة، كان يبتسم، وكأنه حيٌّ بيننا، تلك اللحظة جعلتني أفكر في مدى تعقيد العلاقة بين الحياة والموت في العصر الرقمي، كيف يمكن لشخص فارق الحياة أن يظهر مرة أخرى على شاشاتنا دون أن ندعو لذلك؟ لم يعد الموت يعني نهاية الوجود كما كان في الماضي.

هذه التجربة تذكرني بحادثة واقعية في كوريا الجنوبية عام 2020، حيث تم استخدام تقنية الواقع الافتراضي في برنامج وثائقي لتمكين أم تُدعى جانغ جي-سون من لقاء ابنتها التي توفيت في سن السابعة بسبب مرض عضال. في تلك اللحظات، ظهرت نسخة رقمية منها تبتسم وتتحرك وتتكلم كما لو كانت لا تزال على قيد الحياة، حيث ارتدت الأم نظارات الواقع الافتراضي ودخلت عالمًا افتراضيًا تم إنشاؤه بعناية ليُشبه بيئة مألوفة لهما، واستطاعت الأم أن تتحدث مع ابنتها وأن تلمس يدها في ذلك العالم الرقمي، وكان الهدف من هذه التجربة توفير نوع من الراحة والشفاء للأم، ورغم قصر مدة اللقاء، إلا أنه كان مليئًا بالعواطف الجياشة.

لكن، هل هذا هو الخلود الذي سعى الإنسان إليه عبر التاريخ؟ في الماضي، كان الملوك يبنون الأهرامات ليتذكرهم الناس بعد رحيلهم، والأدباء يكتبون الكتب لتبقى أفكارهم خالدة، وهنا يأتي السؤال: هل ما نراه اليوم امتداد لهذا السعي القديم للخلود، لكنه أخذ شكلاً جديدًا يناسب تطورات العصر، وهو الأبدية الرقمية؟

ما يدعو للتأمل هنا هو العلاقة الجديدة التي باتت تتشكل بين الموت والتكنولوجيا، فقدرتنا على حفظ الذكريات رقميًا قد تمنح البعض شعورًا بالخلود، لكنها في الوقت ذاته تثير تساؤلات حول معنى الحياة نفسها، فإذا كان بالإمكان محاكاة حياتنا رقميًا بعد رحيلنا، فهل نكون قد عشنا حقًا؟ أم أن الخلود الرقمي يفتقر للجوهر الحقيقي للوجود الإنساني؟ ربما ما نحفظه في هذه الفضاءات الرقمية هو مجرد ظلّ لنا، بينما الجوهر الإنساني يظل أمرًا لا يمكن تكراره أو تقليده.

فقد تبدو فكرة الأبدية الرقمية للبعض وسيلة للتخفيف من ألم الفقد، ولكنها تطرح في جوهرها أسئلة عميقة عن طبيعة الإنسان والذكريات، هل مجرد تخزين بياناتنا على الخوادم كافٍ لتخليدنا؟ أم أن الحياة الحقيقية بعد الرحيل تكمن في التأثير الذي نتركه في حياة الآخرين، وليس فقط فيما تركناه من صور ومنشورات؟

حتى هذه اللحظة اعتقد أن ما يجعل الحياة ذات معنى هو تفاعلنا الحقيقي مع العالم من حولنا، أما الواقع الرقمي، فقد يعطينا وهمًا بالوجود بعد الموت، لكنه يبقى في النهاية، مجرد وهم، لكنني أيضًا سأكون سعيدًا من الآن لو تأكدت أن ثمة أحد سيستحضر نسختي الافتراضية بعد رحيلي!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *