عمر غازي
أثار فيلم “حياة الماعز” الهندي ضجة كبيرة بعد عرضه، مما فتح باب التساؤلات حول مدى دقة تصويره لواقع العمال الهنود في السعودية، وفي الحقيقة، ومن واقع تجربة شخصية كمغترب عاش في هذا البلد لسنوات طويلة، أرى من واجبي أن أضع بعض النقاط على الحروف وتوضيح الحقائق التي قد تكون غير واضحة لدى البعض.
السعودية، مثلها مثل أي دولة أخرى، تتضمن تنوعًا في تجارب الحياة والعمل، وبالنظر إلى البيانات الرسمية، تعتبر السعودية واحدة من الوجهات الأكثر جذبًا للعمال الهنود، فوفقًا لتقارير وزارة العمل الهندية، تعد السعودية من أكبر الوجهات للعمال الهنود، حيث يعمل فيها أكثر من 3 ملايين هندي، وفي عام 2023 وحده، حصل 13,944 عاملًا هنديًا على فرص عمل جديدة في السعودية، وهو ما يشير إلى استمرار الطلب على العمالة الهندية، ويعكس الثقة المستمرة في السوق السعودي كوجهة مفضلة للعمل.
رغم التقارير التي تتحدث عن تحديات يواجهها بعض العمال الأجانب، مثل تأخير دفع الأجور وظروف المعيشة غير المثالية، إلا أن الحكومة السعودية اتخذت خطوات ملموسة لتحسين أوضاع العمالة الأجنبية، ومن أبرز هذه المبادرات “تحسين العلاقة التعاقدية” التي أطلقت في عام 2021، وتهدف إلى تقليل الاعتماد على نظام الكفالة التقليدي ومنح العمال حرية أكبر في تغيير وظائفهم والسفر بدون الحاجة لموافقة صاحب العمل، مما يحسن من وضعهم القانوني والمهني.
عند مناقشة أوضاع العمال الهنود في السعودية أو في أي مكان آخر، من الضروري التمييز بين الحوادث الفردية والأنماط الممنهجة، ففي السعودية، يمكن القول إن الحوادث التي تتعلق بسوء معاملة العمال غالبًا ما تكون فردية وليست ممنهجة، فالحكومة تعمل على تحسين أوضاع العمال من خلال سياسات وإصلاحات تهدف إلى حماية حقوقهم، مثل نظام حماية الأجور ومبادرة تحسين العلاقة التعاقدية، وغيرها.
بالمقابل، تظهر الأوضاع العمالية والإنسانية في الهند نمطًا ممنهجًا من الانتهاكات وليس مجرد حوادث فردية، فالهند تشهد مستويات مرتفعة من الفقر والاستغلال العمالي، حيث يعمل الملايين في ظروف غير إنسانية، وفقًا لتقرير “Global Slavery Index” لعام 2018، يعيش حوالي 18.3 مليون شخص في ظروف تشبه العبودية في الهند، حيث يتم استغلالهم في الأعمال الشاقة دون حماية قانونية كافية.
الأكثر من ذلك، أن الانتهاكات في الهند لا تقتصر على ظروف العمل فقط، بل تمتد إلى قضايا أخرى مثل التمييز الطائفي المتزايد ضد الأقليات الدينية مثل المسلمين والمسيحيين، وغيرهم، وفقًا لتقرير “USCIRF” لعام 2022، حيث أظهر زيادة في حالات العنف الطائفي ضد الأقليات، مع تواطؤ من بعض الأجهزة الحكومية، وهذا التمييز يمتد إلى بيئة العمل، حيث يتم استبعاد الأقليات من بعض الوظائف وفرص الترقيات بسبب انتمائهم الديني.
تقارير عديدة وثقت انتهاكات ممنهجة ضد الأقليات في الهند، بما في ذلك حالات اغتصاب تحت رعاية الشرطة وتواطؤها في هذه الجرائم، وهذه الحوادث تعكس نمطًا من التمييز والعنف الذي يتجاوز الحوادث الفردية ليصبح جزءًا من بنية اجتماعية وسياسية أعمق، وبحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة في مارس 2024، فإن العنف ضد الأقليات يتزايد، ولم تتخذ السلطات الهندية الإجراءات اللازمة لوقف هذا التدهور، مما يزيد من خطورة الوضع الإنساني في البلاد.
إذا نظرنا إلى الواقع من منظور أوسع، نجد أن المزايدات والتعميمات حول وضع العمالة في السعودية لا يعكس الصورة الكاملة والواقع الفعلي المعاش لأكثر من 13 مليون مغترب من كافة أصقاع الأرض أتوا إليها طواعية ومازالوا فيها بمحض إرادتهم، وبالعودة إلى العمل السينمائي ففي تقديري الشخصي أن الرد المناسب يجب أن يكون بذات الوسيلة من خلال أعمال عالمية تظهر الجانب المشرق من العلاقة مع العمالة الوافدة كجزء من القوة الناعمة التي يجب استغلالها، والواقع ملئ بالقصص الحقيقية التي يمكن البناء عليها.
المصدر: الترند العربي