عمر غازي
مع زحام الحياة اليومية وما تحمله من تحديات وضغوط، نجد أنفسنا من حين لآخر نتوقف لنسأل: “ماذا تعني لنا الحياة؟” هل هي مجرد سلسلة من الأيام نعيشها، أم أن هناك معنى أعمق يسعى كل منا إلى اكتشافه؟ هذا السؤال البسيط في مظهره يحمل في طياته أبعادًا فلسفية ونفسية عميقة، تناولتها العديد من الدراسات التي سعت لفهم كيف ينظر الناس إلى حياتهم وما يجعلها ذات مغزى بالنسبة لهم.
في دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2018، تم استجواب أكثر من 20,000 شخص من مختلف الأعمار والثقافات حول ما يعطي حياتهم معنى، حيث أظهرت النتائج أن 60% من المشاركين يرون أن العائلة والعلاقات الاجتماعية هي المصدر الرئيسي للمعنى في حياتهم، وهذه النتائج تؤكد ما سبق وأشار إليه عالم النفس الشهير إبراهام ماسلو في هرمه للاحتياجات، حيث تأتي العلاقات الاجتماعية في مرتبة متقدمة كمصدر للرفاهية النفسية.
ومع ذلك، تختلف الرؤى حول معنى الحياة تبعًا للتجارب الشخصية والقيم الثقافية، ففي دراسة أجرتها جامعة طوكيو عام 2020، أظهرت النتائج أن 45% من المشاركين اليابانيين يرون أن الحياة تُستمد من العمل والتفاني في تحقيق النجاح المهني، وهذا التوجه يعكس ثقافة العمل القوية في اليابان، حيث يُنظر إلى العمل كوسيلة لإعطاء الحياة معنى وهدف.
الدين يشكل أيضًا جزءًا كبيرًا من مفهوم الحياة لدى الكثيرين، ففي دراسة أجريت في جامعة أوكسفورد عام 2019، أظهرت النتائج أن 55% من المشاركين من دول ذات خلفيات دينية قوية يرون أن الإيمان والعقيدة الدينية هما العنصران الأساسيان في إعطاء حياتهم معنى، وهذه الدراسة تعكس كيف أن الدين يمكن أن يوفر إجابات لتلك الأسئلة الوجودية التي تواجه الإنسان.
أما في المجتمعات الغربية الأكثر علمانية، فتتجه الرؤية نحو البحث عن السعادة والرفاهية الفردية كأهم مصادر المعنى في الحياة، ففي دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا عام 2021، أظهرت النتائج أن 70% من المشاركين يرون أن تحقيق السعادة الشخصية والعيش وفقًا للقيم الذاتية هو ما يجعل حياتهم ذات معنى، وهذه النتائج تعكس التوجهات الحديثة نحو الفردية والبحث عن الذات في المجتمع الغربي.
المساهمة المجتمعية والشعور بالانتماء يعدان من الجوانب المهمة التي تضيف معنى للحياة، ففي دراسة أجرتها جامعة ميشيغان عام 2020، أظهرت النتائج أن 58% من المشاركين الذين كانوا نشطين في العمل التطوعي والمجتمعي شعروا بأن حياتهم أصبحت أكثر معنى ورضا. هذا يعكس كيف أن الشعور بالانتماء إلى مجتمع أكبر والمساهمة في تحسين حياة الآخرين يعزز من الإحساس بالهدف ويضيف بعدًا آخر لمعنى الحياة.
ومع ذلك يمكن أن تغير التحديات والصعوبات التي نواجهها في الحياة من مفهومنا لها، ففي دراسة أجرتها جامعة كولومبيا عام 2020 على ناجين من أزمات صحية خطيرة، تبين أن 65% منهم أصبحوا ينظرون إلى الحياة بشكل مختلف بعد تجربتهم، حيث أصبحوا يرون أن الحياة تُستمد من اللحظات البسيطة ومن العيش بتقدير وامتنان أكبر لكل يوم.
وبالنسبة للبعض، يتجلى معنى الحياة في السعي لتحقيق أهداف كبيرة، مثل ترك أثر إيجابي في العالم أو المساهمة في تحسين حياة الآخرين، فوفقًا لدراسة نشرتها جامعة كامبريدج عام 2019، أظهرت النتائج أن 50% من المشاركين يرون أن تحقيق أهداف سامية وترك إرث يستمر بعد وفاتهم هو ما يجعل حياتهم ذات معنى،وهذا النمط من التفكير يرتبط بالفلسفة الإنسانية التي ترى أن العطاء والخدمة هما ما يمنحان الحياة قيمة حقيقية.
التعلم والنمو الشخصي يعدان أيضًا من العوامل الأساسية التي يربطها العديد من الأشخاص بمعنى حياتهم، ففي دراسة نشرتها جامعة تورنتو عام 2019، أظهرت النتائج أن 62% من المشاركين يرون أن الاستمرار في التعلم واكتساب معارف جديدة يجعل حياتهم أكثر قيمة.
إضافةً إلى ذلك، العيش بصدق وأصالة، هو عنصر آخر يراه العديد من الناس ضروريًا في منح حياتهم معنى، فقد أظهرت نتائج دراسة أجرتها جامعة سيدني عام 2021، أن 70% من المشاركين أكدوا أنهم يعيشون وفقًا لقيمهم ومعتقداتهم الشخصية يرون أن حياتهم مليئة بالمعنى.
ولعل هذا الاستعراض السريع لرؤى مختلفة يظهر لنا أن معنى الحياة ليس مجرد فكرة ثابتة أو إجابة واحدة، بل هو مفهوم متعدد الأوجه يتشكل ويتغير حسب تجاربنا، قيمنا، وعلاقاتنا، لذا فإن من المهم أن نكون على دراية بما يمنح حياتنا معنى وأن نسعى لتحقيقه بشكل يضيف لنا ولمن حولنا المزيد من الرضا والسعادة.
المصدر: الترند العربي