عمر غازي
يمر الإنسان خلال حياته بمراحل عمرية متعددة، وكل مرحلة تمثل صدمات فريدة من نوعها، ويمثل الانتقال لها أخرى تحديًا كبيرًا، فغالبًا ما يرافق هذا الانتقال تغييرات جذرية تتطلب التكيف والاستعداد النفسي، فمن الطفولة إلى المراهقة، ومن الشباب إلى منتصف العمر، ثم إلى الشيخوخة، تتأثر كل مرحلة بما قبلها وتؤثر فيما بعدها، ما يتطلب وعيًا ذاتيًا مسبقًا لتجاوز التبعات السلبية.
تشير دراسة نشرتها مجلة “علم النفس التطبيقي” في عام 2013 إلى أن الانتقال بين المراحل العمرية يمكن أن يكون مصحوبًا بضغوط نفسية كبيرة، فالأفراد الذين يتمتعون بدعم اجتماعي قوي ويملكون مهارات تكيفية فعالة يستطيعون التعامل مع هذه التغييرات بشكل أفضل.
وفي عام 2017 كشفت دراسة لجامعة هارفارد عن أن المرحلة العمرية الجديدة لا تؤثر فقط على الشخص نفسه، بل يمكن أن يكون لها تأثيرات واسعة على العلاقات الاجتماعية والمهنية، فالأشخاص الذين يستعدون نفسيًا لهذه التغيرات يتمتعون بقدرة أكبر على الحفاظ على توازن حياتهم والتكيف مع المتطلبات الجديدة التي تفرضها المرحلة العمرية الجديدة.
أحد الأمثلة الواقعية البارزة هو العالم الشهير توماس أديسون، الذي واجه تحديات كبيرة في طفولته بسبب مشاكل في السمع وصعوبات في التعلم، ورغم هذه الصعوبات، تمكن أديسون من تحويل تلك التحديات إلى فرص للتعلم والنمو، مما ساعده على أن يصبح واحدًا من أعظم المخترعين في التاريخ.
مثال آخر هو حياة هيلين كيلر، التي فقدت السمع والبصر في سن مبكرة، وبتوجيه من معلمتها آن سوليفان، تمكنت كيلر من التغلب على عزلتها وتعلم التواصل مع العالم. أصبحت فيما بعد كاتبة وناشطة بارزة في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
ووجدت دراسة نشرتها مجلة “علم النفس الإيجابي” في عام 2019، أن الأشخاص الذين يستعدون نفسياً لمرحلة الشيخوخة ويتمتعون بنظرة إيجابية نحو التقدم في السن يكونون أكثر قدرة على مواجهة التحديات الصحية والاجتماعية المرتبطة بالشيخوخة، ولعل من الأمثلة الواقعية على ذلك الكاتب هاروكي موراكامي، الذي بدأ الجري في سن متقدمة وألف كتابًا عن تجربته بعنوان “ما أتحدث عنه عندما أتحدث عن الجري”، أوضح فيه كيف أن الاستعداد النفسي والتكيف يمكن أن يساعد في التغلب على تحديات العمر المتقدم.
من الأهمية بمكان إدراك أن كل مرحلة عمرية تتأثر بما قبلها وتؤثر فيما بعدها، فالقرارات والتجارب التي نمر بها في مرحلة الشباب، على سبيل المثال، قد تكون لها تبعات كبيرة على حياتنا في منتصف العمر، لذا، من الضروري التحلي بالوعي والتخطيط المسبق لمواجهة التحولات المستقبلية، بحسب ما أظهرته دراسة أجرتها جامعة ستانفورد في عام 2020 حيث أشارت إلى أن التخطيط المسبق ووضع أهداف واضحة لكل مرحلة عمرية يمكن أن يساعد في تقليل الصدمة وتحقيق توازن أكبر في الحياة.
يظل الانتقال من مرحلة عمرية إلى أخرى تحديًا يتطلب استعدادًا نفسيًا ومرونة في التكيف، لم يستطع كاتب هذه الأسطر تخطيها بسهولة في منتصف العشرينات، وعادت معه مرة أخرى في الوقت الراهن أواخر الثلاثينات، ولكن ما أدركه تمام الإدراك هو أن كل مرحلة في حياة الإنسان تتأثر بما قبلها وتؤثر فيما بعدها، مما يجعل من الضروري تبني رؤية متكاملة للتطور الشخصي.
المصدر: الترند العربي