عمر غازي
في عام 64 ميلادية، حكم الإمبراطور الروماني نيرون بقبضة من حديد، ورغم ذلك، فإن تجاوزاته وظلمه أديا إلى تمرد الشعب ضده، فلم يجد نيرون مخرجًا سوى الانتحار بعد أن فقد كل شيء، ليصبح مثالًا على أن الغطرسة والظلم قد يقودان إلى السقوط الحتمي.
وفي بداية القرن التاسع عشر، تولى نابليون بونابرت، الإمبراطور الفرنسي، السلطة بسرعة بفضل ذكائه العسكري ودهائه السياسي، ورغم نجاحاته الأولية، بدأت غطرسته وطموحاته اللامحدودة تدمره، حيث قادته إلى هزائم كارثية مثل حملة روسيا ومعركة واترلو، لتنتهي حياته في المنفى، محطمًا ومجردًا من سلطته، وأصبح نابليون مثالًا لا يمكن تجاهله على قدرة التكبر والغرور والغطرسة، إلى المساهمة في انهيار أعظم الإمبراطوريات.
وفي سياق التغطرس لا يمكن تجاهل الزعيم النازي أدولف هتلر، الذي قاده جنون العظمة إلى اشعال الحرب العالمية الثانية، رغم نجاحاته العسكرية المبكرة، لتنتهي به إلى قرارات كارثية دمرت بلده وكانت سببًا رئيسًا في هزيمته وانتحاره عام 1945، لتكون نهايته المشينة درسًا للعالم بأن الغطرسة والتعصب لا يؤديان إلا إلى الكارثة.
تشير العديد من الدراسات إلى أن التكبر والغطرسة والغرور غالبًا ما تؤدي إلى نتائج سلبية على الصعيدين الشخصي والاجتماعي. نشرت مجلة “علم النفس الاجتماعي” في عام 2015 دراسة أوضحت أن الأشخاص الذين يظهرون مستويات عالية من الغطرسة يميلون إلى تجاهل النصائح والتوجيهات، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة وكارثية.
وفي جامعة هارفارد أجرى الباحثون دراسة عام 2018 حول تأثير الغطرسة على العلاقات الاجتماعية والعملية، أظهرت نتائجها أن الأفراد المتكبرين غالبًا ما يعانون من انخفاض في الدعم الاجتماعي والعاطفي، مما يزيد من مستوى التوتر والإجهاد في حياتهم.
تناول الفيلسوف فريدريك نيتشه في كتاباته موضوع الغطرسة والتكبر، مشيرًا إلى أن هذه الصفات غالبًا ما تكون نتيجة للشعور بالنقص والدونية، حيث اعتبر نيتشه أن الغطرسة هي قناع يخفي وراءه الفرد ضعفًا داخليًا، وأن التواضع والقوة الداخلية هما العلامات الحقيقية للعظمة.
وفي كتابه “السياسة” أشار الفيلسوف اليوناني أرسطو في إلى أن الطغيان والغطرسة يؤديان دائمًا إلى السقوط، فهو يعتقد أن القادة الذين يفشلون في التواضع والاستماع إلى نصائح الآخرين محكوم عليهم بالفشل، وأن الفضائل الأخلاقية مثل التواضع والعدالة هي أساس الحكم الناجح والمستدام.
ويمكن تفسير تأثير الغطرسة والتكبر على الدماغ من خلال دراسة التفاعلات الكيميائية والعصبية، حيث نشرت مجلة “نيتشر نيوروساينس” في عام 2020 دراسة أظهرت أن الغطرسة ترتبط بزيادة في نشاط مناطق معينة من الدماغ المرتبطة بالمكافأة والتحفيز، مثل النواة المتكئة. أشارت الدراسة إلى أن الأفراد المتكبرين قد يكونون مدفوعين بشعور قوي بالإنجاز الشخصي والمكافأة الذاتية، مما يؤدي إلى تجاهل العواقب السلبية لتصرفاتهم.
خلاصة القول، تُظهر قصص المتكبرين والمتغطرسين والجبابرة على مر التاريخ كيف أن هذه الصفات تؤدي حتمًا إلى نهايات مشينة، وهي سنة من سنن الحياة، يستطيع أي قارئ للتاريخ إدراكها دون عناء، ولكن خلق الإنسان نسيًا!
المصدر: الترند العربي