بقلم: عمر غازي
لماذا أدرس واجتهد وأتعب في تحصيل العلم واكتساب المعرفة وزيادة الحصيلة الثقافية، وفي النهاية لا أجد ثمنا لذلك؟
لماذا مهما بلغت من الاجتهاد والمكانة المهنية الجيدة أو المرموقة، يأتي آخر لا يحمل هذه المؤهلات والإمكانيات، ويحصل على الثروة والشهرة والتقدير؟
لماذا أصحاب العلم والمعرفة والثقافة العالية لا يتحصلون على التقدير المادي اللائق بهم؟
لماذا اجتهد واصبر وأقاسي الأمرّين، وأعاني في حياتي لأصل، وتستمر معاناتي إلى ما لا نهاية؟
لماذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟ عشرات الأسئلة على هذا المنوال أسمعها من حولي بشكل مستمر خصوصا على صفحات التواصل الاجتماعي، من زملاء وأصدقاء وأقارب ومعارف ساخطون على وضعهم المهني أو المادي أو حظهم في العيش الكريم مقابل ما يرونه ويشاهدونه من فرص لا محدودة لأناس ضعيفي التحصيل العلمي وقليلو الثقافة من لاعبي الكرة أو مطربي المهرجانات، والراقصات، وغيرهم.
وقبل الإجابة على هذه التساؤلات يجدر بنا الوقوف سويًا على الأسباب التي تؤدي إلى زيادة المردود المادي وتفرق صنعة أو حرفة أو وظيفة عن غيرها:
(1) العرض والطلب
يتحكم العرض والطلب، وبمعنى أدق الندرة والتشبع في زيادة أو نقص المردود المادي، ولكن تذكر دائما أنك قادر على التميز، والتميز دائما وأبدا له ثمنه، فلو كان هناك ألف طبيب عادي في تخصص ما فإن هناك أحد ما قادر على البروز والتفوق عليهم.
(2) بناء السمعة
لا يمكن أن تحصل على المال الوفير، مقارنة بالمنافسين الآخرين لك في أي مجال من مجالات الحياة، دون بناء السمعة الجيدة، وإذا كان هذا الكلام نراه فعلا مع المؤسسات والشركات والجهات الاعتبارية، فإنه أيضا ينسحب على الأفراد في أي مجال من المجالات، ولذلك نجد ما يميز الطامحين في الثراء أو زيادة الدخل هو الاستثمار في أنفسهم، والتعامل معها كماركة (براند) من الناحية التسويقية وبناء العلامة التجارية، وقبل ذلك بناء السمعة.
(3) استثمار الفرص
الحياة ما هيا إلا فرص، والفرص قد لا تتكرر، وقد لا تأتي سوى مرة واحدة في الحياة، وفي حياتنا جميعًا فرص، أغلبنا يتندم على ضياعها، ويتحسر على عدم استغلالها أو الاستهتار في مواجهتها، وقليل منا من امتلك المهارة اللازمة، للتعامل مع الفرصة في حينها، بالشكل الأمثل، وربما تقول أنك لم تسنح لك الفرصة بعد وهذا صحيح، ولذا كن على استعداد لاصطيادها متى ما ظهرت لك، ولا يكون ذلك إلا بمعرفة مواهبك ومهاراتك الدفينة، ونقاط قوتك، وأهدافك التي تسعى إليها، وأبعاد النجاح الذي تصبو إليه.
(4) الذكاء المهني
وهذا الذكاء قد يكون فطريا، عند البعض، لكنه أيضا يمكن اكتسابه وتنميته، وكثير من الناس فقدوا فرصا عظيمة في حياتهم كان بإمكانها تغيير مسارهم الوظيفي والمهني بالكامل لافتقادهم لهذه المهارات، كل ما عليك هو تعلم هذه المهارات وجعلها منهج حياة وأبرزها:
- التحكم في التصرفات والانفعالات، والصبر والمثابرة.
- إجادة العمل الجماعي، والقدرة على تقمص دور القائد.
- الاعتراف بالأخطاء، والعمل على معرفة أسبابها وتلافيها مستقبلاً.
- تفهم الجميع في بيئة العمل، والقدرة على التعامل مع كل شخص بطريقة تناسبه وتختلف عن الآخرين.
- القدرة على احتواء الآخرين عند حدوث الأزمات والمشاكل.
- القدرة على القيام بمهام إضافية، ومتنوعة تميزه عن الموظف العادي التقليدي الذي لا يطور من نفسه ولا من إمكانياته وأدواته.
- القدرة على القيام بعدة أنشطة في وقت واحدة.
(5) المرونة والقدرة على تصحيح المسار
إن أكبر الأخطاء التي نرتكبها في حياتنا عمومًا، وفي حياتنا المهنية والوظيفية على وجه الخصوص، افتقار المرونة، والقدرة على تصحيح المسار الخاطئ، أو غير المجدي، وكثيرًا ما تكون الحجة أننا تعبنا كثيرا للوصول إلى هذه النقطة ولا يمكن التضحية بكل هذا المجهود، مع يقيننا بعد وجود بارقة أمل في الاستمرار، ولذا فإن الموفق دائما هو من يستطيع مواجهة هذه المشكلة الجسيمة بشجاعة، وربما بكثير من روح المغامرة والتحدي، لإعادة تصحيح المسار والانتقال إلى ما هو أنفع له مهنيا، فليس معنى أنك طبيب درست الطب سبع سنوات ومارسته مثلها ولم تجد نفسك فيه، أن تستمر فيه وتدفن مواهبك وأنت تمتلك القدرة الإبداعية على الرسم التشكيلي، أو كتابة الروايات والقصص مثلا، وجمعك بينهما قد يكون نوعًا من الانتحار، وخوفك على الإقدام وفقدان عملك، وسخرية الآخرين من حماقتك ومغامراتك الفاشلة، يبقيك في الظل ولن تحقق شيئا لا في الطب ولا في الرواية.
(6) العمل الحر
الوظيفة تغنيك من الفقر وتمنعك من الغنى، هذه المقولة من أصدق المقولات التي مرت، وكم كنت أتمنى أن استمع إليها في وقت مبكر من حياتي، وليس المقصود بالعمل الحر هنا أن تستغني عن وظيفتك وتبدأ حياتك كتاجر أو رائد أعمال الآن، ولكن أن تستكشف العالم من حولك، وأن تجيد صنعة أو مهنة، أو هواية، تتكسب منها دخلا ولو إضافيا، لتكون بمثابة نافذتك على عالم الأعمال، دون أن تغادر الوظيفة وتخسر أمان دخلك الثابت، حتى يحين الوقت للاكتفاء من العمل الحر واتخاذ القرار، فثق دائما أن الوظيفة مهما علت لا تصنع ثروة، وأن تسعة أعشار الربح في التجارة، وأن التجارة مكسب وخسارة، ولا ربح دائم، والخاسر هو من يركن إلى الأمان الوظيفي.
وإضافة إلى ما سبق يتعين عليك مراعاة الأمور التالية:
- ابحث عن شغفك، لأن الشغف سيزيد من فرصك في الإبداع وبالتالي توسيع أبواب الرزق.
- ابحث عن القيمة في العمل الذي تؤديه، صحيح كلنا يحتاج المادة ويسعى لها لكنها ليست كل شيء، فالبحث عن المادة بحثا مجردا من أية أهداف أخرى سيحولك إلى مرتزق.
- انظر إلى نجاحات الأخير بعين الغبطة لا الحقد، واجعل نجاح الآخرين دافعا لك لا وسيلة للإحباط واليأس.
- تعلم من صفات الناجحين الذين سبقوك إلى الثروة أو النجاح المادي، بغض النظر عن طبيعة عملهم.
- أؤمن بالوفرة لا الندرة ورحب بالتنافس الشريف.
وختامًا: كل ما علينا جميعًا هو فعل الأسباب، والمثابرة، والصبر، ويتوجب علينا في كل مراحل هذا الفعل، ومع كل نجاح أو فشل، التحلي بالقناعة والرضا، وهذا لا يتنافى مع الطموح والإصرار، فليكن شعارنا دائما وأبدا “لنفعل ما علينا ولنرضى بما كتبه الله لنا”.