عمر غازي
ثمة تعقيد يتعلق بإشكالية فهم الهوية والمواطنة والجنسية، ومنشأ هذا التعقيد راجع إلى أمرين الأول هو تشابكهم فعلاً وتقطاعهم في العديد من الأمور، والثاني في عدم معرفة مكامن الاختلاف والاتفاق على نحو دقيق، الأمر الذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى النظر إلى أحد مكونات النسيج الوطني بنظرة تعتريها الشك والريبة، وبالتالي تكون النتيجة تهديدا للحمة الوطنية، والسلم المجتمعي، والتعايش المشترك بين أفراد المجتمع.
في تشابك المصطلحات
تعرف الهوية بأنها الخصوصية التاريخية والثقافية التى تجمع أفراد منطقة جغرافية معينة، وتميزهم عن غيرهم، وينتج عنها إحساسهم بالانتماء إلى أمة واحدة والارتباط بوطن معين، وتكوين نسيجه المتآلف، ومن ثم الالتقاء تحت مظلة وراية واحدة للمشاركة في صناعة حاضرة ومستقبلة والدفاع عن ماضيه.
وتتداخل تحت هذه الهوية هويات أخرى متعددة ذات مستويات مختلفة، وتتحدد مقومات الهوية بعناصر عديدة تتمثل في اللغة والثقافة والانتماء والولاء للوطن والعيش المشترك ومواجهة التحديات وغيرها[1].
ومن هنا تتشابك الهوية مع المواطنة، إذ المواطنة انتماء لأرض ومجتمع، له حقوق وفضائل يحميها القانون ويرسخها سلوك الجماعة، وعليه واجبات وفروض تلزم المنتفع بتلك الحقوق والفضائل، وعليه فالهوية لازمة للمواطنة والعكس صحيح[2]، وتشير دائرة المعارف البريطانية إلى “أن المواطنة علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة ، وبمـا تتضمنه تلك العلاقـة مـن واجبـات وحقـوق فـي تلـك الدولة، تـسبغ علـى المواطن حقوقا سياسـية ،مثـل حـق الانتخـاب وتـولي المناصب العامة”.
تطور مفهوم المواطنة في الغرب إبان عصر النهضة والتنوير، على أيدي المفكرين الفرنسيين وبخاصة جان جاك روسو، مونتيسكيو ولامارت، إذ اقترنت المواطنة بالعقد الاجتماعي المنظم للعلاقة بين الفرد والجماعة والدولة، وتجسد المفهوم في صياغات قانونية في وثائق الثورة الفرنسية وما تلاها من ثورات. وباتت للمواطن المقيم على أرض الدولة حقوقاً راسخة وشخصية اعتبارية مستقلة.[3]
وبالتالي فإن المواطنة تقوم على دستور وقوانين وتشريعات مستمدة من الهوية الثقافية والتاريخية والدينية للمجتمع، لحماية هذا الإطار الهوياتي، والحفاظ عليه، لضمان حصول المواطنين على حقوقهم المتساوية في إطار النسيج الاجتماعي المكون للهوية باختلافاتها العرقية والمذهبية والدينية وما تحمله من أقليات لا يمكن أن تنفك عن المكون المجتمعي العام، وقد تخضع هذه الهوية لتغيرات وتحولات ومد وجذر على مدار السنوات.
هذا التسلسل يأخذنا بطبيعة الحال إلى مفهوم الجنسية، والتي تعرف بأنها علاقة قانوينة بين الدولة والفرد، يترتيب عليها بعض الحقوق والالتزمات، إلا أنها تختلف عن المواطنة ومن هنا منشأ التعقيد فكل مواطن لديه جنسية، ولكن ليس كل من لديه جنسية يكون مواطنا، إذ يترتب على المواطنة حقوق أخرى مثل الحق في المشاركة السياسية أو الحصول على العمل، أو الحق في الانضمام للسلك العسكري أو الدبلوماسي وغيرها وهذا الحق لا يحصل عليه كل من يمتلك جنسية البلد في كثير من دول العالم.
ولفهم أكثر دقة فإنه يوجد من يحملون الجنسية الأمريكية على سبيل المثال وليسوا مواطنين فهناك أشخاص وُلدوا في أراضٍ تملكها الولايات المتحدة يمكنهم حمل جواز سفر أمريكي، والعيش والعمل داخلها، لكنهم لا يمكنهم التصويت أو الترشح لانتخابات تشريعية أو رئاسية أو بلدية.
وفي بريطانيا، ونتيجة الإرث الاستعماري، فإن الوضع أكثر تعقيدًا؛ حيث إن هناك ستة أنواع من الجنسية البريطانية؛ منها “مواطنون بريطانيون”، و”رعايا بريطانيون”، و”مواطنون بريطانيون في الخارج”، و”مواطنون تحميهم بريطانيا”، و”مواطنون بريطانيون فيما وراء البحار”، و تختلف حقوق كل نوع من المذكورين؛ فعلى سبيل المثال، يسجل مواطنون في أراضٍ بريطانية في الخارج، ويحصلون على جوازات سفر بريطانية، لكن لا يمكنهم العيش أو العمل في بريطانيا[4].
مفاهيم مغلوطة
ثمة عدد من المفاهيم المغلوطة أو الملتبسة أسهمت في ظهور العديد من الإشكاليات حول المصلحات الآنفة الذكر وتتمثل في التالي:
- اعتقاد البعض أن هوية الدولة لا بد وأن يتحكم فيها مكون عرقي أو ديني معين وبالتالي فإن الأحقية حقوق المواطنة الكاملة ترجع لهذا المكون الذي يشكل الغالبية العظمى، وعليه يتم النظر من قبل الأفراد لا الدولة إلى بعض الأقليات العرقية أو الدينية أو المذهبية (إن جاز التعبير) كمكون دخيل أو مجموعات مجنسة غير كاملة الأهلية الوطنية، تشكل خطرا على النسيج الاجتماعي أو متطفلة عليه، وهو الاعتقاد الخاطئ الذي يتعارض مع مفهوم الدولة الحديثة والمواطنة.
- نظرة البعض إلى مكتسبي الجنسية سواء مع احتفاظهم بجنسيتهم الأصلية أو تجردهم منها نظرة تشكيكية لغياب المعيار الصحيح في الحكم عليهم والمتمثل في الالتزام بواجبات وحقوق المواطنة أو الجنسية وفقا للقوانين المعمول بها في البلد.
- الخلط في تعريف المواطنة وربطها بالوطنية في حين ان المواطنة صفة تتحدد بموجبها الحقوق والواجبات، فالمواطنة تعني الحفاظ على الوطن، وحماية ممتلكاته ومكتسباته، والعمل بالقانون والعدالة الاجتماعية، فالذي يخالف ذلك إنما لا يعير أهمية للمواطنة رغم ادعائه بذلك.[5]
- تعمد بعض المنتمين لأيدلوجويات تحمل بعد قومي أو امبريالي، إلى إثارة البلبة هو المصلطحات والتشكيك فيها والخلط المتعمد لتمرير أفكارها.
نتائج
تظهر هذه القراءة المقتضبة الحاجة إلى ما يلي:
- نشر الثقافة القانونية بين أفراد المجتمع إذ تتعلق هذه المصطلحات تعلقا وثيقا بالإطار القانوني، للأفراد والتزاماتهم تجاه المجتمع الذين يعيشون فيه أو يحملون جنسيته، وكذلك تحمي هذه الثقافة المواطنين من التعرض لتنمر أو تهميش من قبل أقلية تعتقد أنها على صواب.
- اهتمام مناهج التعليم بنشر ثقافة المواطنة وترشيخ المفهوم الصحيح في الناشئة، فالمواطنة ليست فقط مجموعة من النصوص والمواد القانونية التي تثبت مجموعة من الحقوق لأعضاء جماعة معينة، كما قد يعكسه دستور هذه الجماعة وقوانينها، بل يشترط أيضاً وعي الإنسان داخل هذه الجماعة بأنه مواطن أصيل في بلاده وليس مجرد مقيم يخضع لنظام معين[6] من دون أن يكون له دور فعال داخل هذا المجتمع.
- تفنيد مزاعم وشبهات بعض المؤدلجين وأصحاب الأغراض والمصالح الساعين إلى دسم السم في العسل، وتعقيد المشهد وزيادة تشابكاته، وإشكالياته لتحقيق أهداف معينة مستفيدين من حالة الخلط القائمة.
[1] مقاربة في مفهوم الهوية الوطنية، جبران حبش، شبكة جيرون http://bit.ly/2P5djO5
[2] علاقة الهوية بالمواطنة وتحدياتها، د. أحمد الغامدي، جريدة المدينة السعودية http://bit.ly/2Qlhy8i
[3] إشكاليات المواطنة في الوطن العربي والغرب ، محمد بسيوني، جريدة الحياة اللندنية http://bit.ly/2IzRFiD
[4] ما الفرق بين الجنسية والمواطنة؟، أرقام http://bit.ly/2P5Ebxo
[5] إشكالية المواطنة، د. يعقوب الشراح، صحيفة الراي http://bit.ly/2zM12sH
[6] إشكاليات المواطنة في الوطن العربي والغرب ، مرجع سابق.
نشر في مركز سمت للدراسات