بقلم (عمر غازي)
ازداد الجدل حول الدولة المدنية والدينية (الثيوقراطية) في مصر في الفترة الأخيرة في ظل الاحتراب الدائر بين التيارين العلماني والإسلامي بخصوص بقاء المادة الثانية من الدستور والتي تنص على الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، وازدياد المخاوف العلمانية من صعود التيار الإسلامي وتغلغله في الحياة السياسية سيما بعيد انضمام أطياف عديدة من التيار الإسلامي كانت تؤثر البعد عن المشاركة السياسية في الفترات السابقة أو لديها موقف سلبي من العملية الديمقراطية، والملاحظ أن هذا الصراع يشوبه الكثير من الإشكاليات والتي تعود لعدم تحرير مصطلح الدولة المدنية بشكل واضح مما يجعل البعض يعتقد أن المقصود هو المعنى اللفظي للمصطلح وهو الدولة المتحضرة أو الدولة المدنية في مواجهة حكم العسكر مما قد يدفع البعض للذهاب إلى القول بالإشكالية حول الدولة الدينية والمدنية مفتعلة ولا تعدو الفزاعة.
ولعل استخدام مصلح الدولة الدينية في مواجهة المدنية ليس له غير تفسير واحد وهو أن الدولة المدنية المنشودة عندهم هي القائمة على العلمانية أو تنحية الدين، لأنه ليس ثمة تعارض بين الدولة الدينية والمفهومين الآخرين.
وهذه الإشكاليات ليست وليدة اللحظة بل هي قديمة متجددة بتجدد الصراع الإسلامي الليبرالي الذي ما يلبث أن تهدأ نيرانه لتبقى تحت الرماد لتعود أشد اشتعالا .
والملاحظ لجوء الكثير من السلفيين والإخوان وباقي التيارات الإسلامية للتهرب من هذه الفزاعة بقولهم أن الإسلام لم يعرف الدولة الدينية قط واستنادهم في ذلك إلى نموذجين للدولة الدينية وهما نظرية الطبيعة الإلهية للحاكم والتي كانت سائدة في المماليك الفرعونية والإمبراطوريات القديمة وبعض مراخل الدولة الفاطمية وتقضي هذه النظرية بأن الله موجود بين البشر ويحكمهم ويجب عليهم تقديس الحاكم وعدم الاعتراض عليه، والأخرى هي نظرية الحق الإلهي وهي النظرية التي تبنتها الكنيسة في فترة صراعها مع السلطة الزمنية وتقضي بأن الحاكم يتم اختياره بشكل مباشر من الله.
وبطبيعة الحال فهاتين النظريتين ليستا من الإسلام في شيء وهو ما يجعلهم يقررون في النهاية أن الإسلام يرفض الدولة الدينية ويتبرأ منها لتهدئة الناس من الفزع الذي ينشره الإعلام العلماني صباح مساء ، لتنفير الناس من الحكم الإسلامي.
وهو ما أشار إليه أيضا المفكر فهمي هويدي في كتابه الإسلام والديمقراطية الذي صدر عام 1993 م حيث يقول: “إذا أردنا أن نحسن الظن بالذين وصفوا الدولة الإسلامية بأنها دينية، ثم اعتبروها نقيضا للدولة المدنية، فلن يكون أمامنا سوى مخرج واحد هو: إعذارهم باعتبارهم لا يعرفون دلالة تلك المصطلحات، الأمر الذي أوقعهم في الغلط، وأوردهم موارد الضلال من حيث لم يحتسبوا” (1)
لكن الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي يرجع تمسك العلمانيين بالقول بأن دولة الإسلام دينية (كهنوتية) تتحكم في أهل الأرض باسم السماء، وتتحكم في دنيا الناس باسم الله لمسألة (حاكمية الله) التي دعا إليها (أبو الأعلى المودودي) في باكستان، والمفكر المصري (سيد قطب) وهي نفس الفكرة التي دعا إليها الخوارج قديما، مما يوجب أن تكون هذه الدولة دينية، كدولة الكنيسة الأوربية فيما سمي: (العصور الوسطى) (2) .
ويورد الشيخ القرضاوي العديد من الردود لإثبات مدنية الدولة الإسلامية أيضا بهذه الصورة التي يدعو إليها المودودي وقطب ومن ضمن ما قاله: “الحاكمية التي دعا إليها المودودي وقطب، وجعلاها لله وحده لا تعني أن الله تعالى هو الذي يولي العلماء والأمراء، يحكمون باسمه، بل المقصود بها الحاكمية التشريعية فحسب، أما سند السلطة السياسية فمرجعه إلى الأمة، هي التي تختار حكامها، وهي التي تحاسبهم، وتراقبهم، بل تعزلهم، والتفريق بين الأمرين مهم والخلط بينهما موهم ومضلل (3).
الدولة المدنية في الإسلام
لا وجود لمصطلح الدولة المدنية في التاريخ الفقهي والثقافي الإسلامي، بما في ذلك المصنفات الكثيرة على مر العصور والتي تناولت السياسة الشرعية والأحكام السلطانية، وعليه فإذا أردنا أن نفهم مدلول هذا المصطلح فلنرجع إلى البيئة والظروف والملابسات التي وجد فيها لنفهم ماهيته؟
والحقيقة أن الدولة المدنية هي وليدة الصراع الغربي بين الكنيسة والعلم، والمقصود بهذا المصطلح أساسا الفصل الكامل بين القوانين والتشريعات والأجهزة عن تدخلات الكنيسة التي تمثل الدين في الغرب (4) فهي إذا باختصار تعني الدولة العلمانية التي لا صلة لها بدين يحكمها، بالرغم من أن علاقة الدولة بالدين وببعض الطوائف في دول أوربا على وجه التحديد لم ولن تنقطع كما سنبين لاحقا في هذه الدراسة.
وهذا هو المفهوم الغربي للدولة المدنية وهو منشأ الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين العرب في الاتفاق على مدنية الدولة الإسلامية، فمدنية الدولة من منظور الإسلاميين تعني قيامها على أساس اختيار القوي الأمين، المؤهل للقيادة الجامع لشروطها، يختاره بكل حرية: أهل الحل والعقد، كما تقوم البيعة العامة من الأمة، وعلى وجوب الشورى بعد ذلك ونزول الأمير أو الإمام على رأي الأمة، أو مجلس شوراها، كما تقوم كذلك على مسؤولية الحاكم أمام الأمة، وحق كل فرد في الرعية أن ينصح له ويشير عليه (5).
وإذا ما تأملنا المدلولين السابقين وجدنا بينهما بونا شاسعا جدا، وايقنا حقيقة الاختلاف وجدليته التي ستبقى قائمة لا محالة برغم محاولات المفكرين الاسلاميين في اقناع العلمانيين العرب بمدنية الدولة الإسلامية وهي المحاولات التي لن تأتي بجدوى لأن استمرار المناداة بـ(إسلامية) التشريع في حد ذاته ضرب من ضروب الدولة الدينية وإن لم تتحقق فيه خاصية الكهنوتية والحق الإلهي أو حتى (الإمامة) ونظام (ولاية الفقيه) عند الشيعة.
ولذا كان من المهم جدا في هذه الدراسة البحث في طبيعة العلاقة بين الدول المدنية (الغربية) والدين، وهو ما ستتكشف معه حقائق من شأنها إزالة الكثير من اللبس والوصول إلى أرضية مشتركة يمكن الاستناد إليها وإعادة النظر لدى الرافضين للدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية، وهو ما سنعرج عليه في الأسطر القادمة.
مرجعية الإسلام .. بين الدولة الدينية والمدنية
قبل الحديث عن تعارض مرجعية الإسلام مع الدولة المدنية التي يرتضيها الإسلاميون من المهم جدا أن نتساءل عن طبيعة تنظيم العلاقة بين الدين والدولة؟ وهو السؤال الذي يجيب عليه الأستاذ جورج طرابيشي حيث يقول (6): ففيما يتعلق بتنظيم العلاقات بين الدول والدين، ثمة صيغتان كبيرتان تتسع كل منهما لتمايزات وتباينات في الجزئيات: فإما أن تكون الروابط موصولة وموثوقة بين الدولة ودين بعينه، يحكمها ويودها (وتلك هي التيوقراطية أو الحكومة الدينية)، أو تدعمه وتقوده وتلك هي الدولة الطائفية)، وإما أن يكون بين الدولة والدين انفصال متفاوت في حديته، بحيث لا تتدخل الدولة في مسائل الدين، ولا تمارس الطوائف الدينية أي تأثير مباشر على الشؤون العامة، والعلمانية على تعدد الأشكال التي يمكن أن تتظاهر بها على نظام الفصل والتفريق هذا. وثمة إمكانية لصيغة ثالثة، ولكن يبدو أن صفحتها طويت نهائيا مع سقوط الشيوعية، وهي إعلان الدولة لإلحاديتها والتزامها بمكافحة كل أشكال الدين وهو التزام يمثل بحد ذاته شكلا جديداً من أشكال الدين. ا.هـ
ويذكر الدكتور صبري محمد خليل، استاذ الفلسفة بجامعه الخرطوم، ثلاثة حلول لمشكله علاقة الدين بالدولة (السلطة( يمكن تلخيصها في الآتي (7):
1- الحل الأول(علاقة خلط) (الثيوقراطية): ويقوم على الخلط بين الدين والدولة، ومن ممثليه الثيوقراطية والتي تعنى لغويا الحكم الإلهي، ومن المذاهب الثيوقراطية نظريتي الحكم بالحق الإلهي والعناية الإلهية. وفي الفكر الإسلامي تقارب الثيوقراطية مذهب الاستخلاف الخاص أي القول بأن الحاكم ينفرد دون الجماعة بالاستخلاف عن الله في الأرض، وهو مذهب قال به بعض الخلفاء الأمويين والعباسيين، وقال به الشيعة في حق ألائمه من أحفاد على (رضي الله عنه) . غير أن هذا المذهب يخلط بين الاستخلاف الخاص المقصور على الأنبياء ، والذي انتهى بختم النبوة ووفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، والاستخلاف العام للبشر، كما انه يساوى بين الأنبياء والحكام أو الائمه في الدرجة.
2- الحل الثاني (علاقة فصل)(العلمانية) : ويقوم على فصل الدين عن الدولة، واهم ممثل له العلمانية التي كانت في الأصل جزء من الديانة المسيحية ويرى أن هذا الحل لا يعبر عن الحل الإسلامي للمشكلة، فان جوهر الدعوة إلى العلمانية في المجتمع الإسلامية هو أن تستبدل القيم والآداب والقواعد الإسلامية (التي تشكل الهيكل الحضاري لهذه المجتمعات) بالقيم والآداب والقواعد الغربية لتحقيق قدر من الشعور المستقر بالانتماء إلى الحضارة الغربية (التغريب).
3- أما الحل الثالث فهو (علاقة وحدة وتمييز)(الحل الإسلامي): ويقوم على أن علاقة الدين بالدولة علاقة وحدة (لا خلط) وتمييز (لا فصل). فهي علاقة وحده (لا خلط) لان السلطة في الإسلام مقيده بالقواعد القانونية التي لا تخضع للتغير والتطور مكانا وزمانا وبالتالي لا يباح تجاوز والتي تسمي في علم القانون بقواعد النظام العام والتي تسمى باصطلاح القران الحدود إذا هي القواعد الآمرة أو الناهية التي لا يباح مخالفتها. ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ ( البقرة: 229) : ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ﴾ .(البقرة187).
كما أنها علاقة تمييز( لا فصل)لان الإسلام ميز بين النوع السابق من القواعد القانونية والتي اسماها تشريعا، وجعل حق وضعها لله تعالى وحده استنادا إلي مفهوم التوحيد .والقواعد القانونية التي تخضع للتطور والتغير زمانا ومكانا، والتي محلها الفقه في الإسلام ،والتي جعل سلطة وضعها للجماعة استنادا إلي مفهوم الاستخلاف.
والحقيقة أننا إذا نظرنا إلى هذه الصور الثلاث وجدنا بينها تشابكا كبيرا وتداخلا، وإن كان لا مؤدى للعلمانية سوى هذا التفريق بين الدولة والدين، فإنه يترتب عليه مظهران متكاملان: فمن وجهة أولى تستلزم العلمانية أن تكون الدولة مستقلة تماما عن كل دين وعن كل سلطة دينية، ومن الجهة الثانية تفترض أن الأديان جميعها حرة على السواء في مواجهة الدولة, وبديهي أن هذا وضع مثالي، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هل هذا الوضع متحقق، يقول الأستاذ جورج طرابيشي (8): وقلما يقوم هذا الوضع في الواقع نظراً لأن ثمة مجالا مشتركاً لكل من الدولة والدين معاً، هو المجتمع نفسه. وبهذا المعنى الحصري، وكفصل تام بين الدين والدولة فإن العلمانية لا تقوم إلا في قلة من البلدان: فرنسا (9) الولايات المتحدة الأمريكية، المكسيك، تركيا. وكثيرة هي بالمقابل الدول التي تعرف نصف علمانية مثل ألمانيا وبلجيكا وهولندا، فالدولة في ألمانيا مثلا حيادية من وجهة النظر الدينية، لا تنتصر لدين على دين، ولا وجود فيها لدين دولة أو لكنيسة قومية. وهي بهذا المعنى دولة علمانية. ولكنها بالمقابل لم تبت صلتها بالكنائس، البروتستانتية والكاثوليكية حصرا، وتعتبرها كهيئات اجتماعية تابعة للقانون العام، وتقر لها بحقها في التعليم الديني لأتباعها في المدارس العمومية. وفي الوقت الذي تلتزم الدولة في بلجيكا بالحياد الديني، فإنها تعقد صلة خاصة مع ديانة الغالبية (70 في المائة من السكان التي هي الكاثوليكية، وتضمن التعليم الديني في المدارس العمومية لمن يطلبه من تلاميذها أو أهاليهم، وتتكفل بالإنفاق على القائمين بأمر الشعائر الدينية وإن كانت تحصرهم بطوائف ست: الكاثوليكية، البروتستانتية، الأنغليكانية، اليهودية، الإسلام، الأرثوذكسية (وهاتان الطائفتان الأخيرتان استحدثا بصفة قانونية بموجب قانونين صادرين عامي 1974 و1985 على التوالي)، وهناك أيضا دول شبه علمانية، وهي الدول اللاتينية في جنوب أوربا: البرتغال، إسبانيا، بريطانيا، فحتى الأمس القريب كانت الكاثوليكية لا تزال هي الديانة السائدة أو الرسمية في هذه الدول. فدستور البرتغال لعام 1951 ينص على أن الكاثوليكية هي “دين الأمة البرتغالية” (94 من عدد السكان) ويقر لها بمعاملة خاصة. وقد تبنت إسبانيا عام 1978 دستورا حديثا يضمن الحرية الدينية للأفراد ولكنه يؤكد في الوقت نفسه على وجود علاقات تعاون بين الدولة والطوائف، ولا سيما الكاثوليكية. وتعمم إسبانيا التعليم الديني في المدارس وتسمح بوجود مرشدين روحيين في الثكنات والمستشفيات والسجون، وتبيح لمواطنيها أن يقطتعوا نصفا في المائة من ضرائبهم ليقدموه على شكل عشر للكنيسة. أما في إيطاليا التي لها وضع خاص بحكم كونها مركز البابوية، فإن الدولة تعترف رسميا بأن مبادئ الكاثوليكية تمثل جزءاً من التراث التاريخي للشعب الإيطالي وتعفي الكهنة من الخدمة العسكرية، وتقر بمشروعية الزواج الديني وتسمح بالتعليم الديني في المدارس العمومية على نفقة التلاميذ وأهاليهم.
أما بريطانيا أخيرا فتقدم نموذجا لدولة (لا علمانية) بدون أن يعني هذا أنها دولة دينية، فالكنيسة الانغليكانية ما زالت لها في إنجلترا صفة الكنيسة الرسمية والملك أو الملكة هو رأس الكنيسة، والبرلمان يشرف على تنظيم الكنيسة وشؤونها العبادية، والحكومة تقدم للكنيسة نصف كلفة صيانة مبانيها، وتعفي مداخيلها من الضريبة، والأساقفة الانغليكانيون أعضاء شرعا في مجلس اللوردات. وذلك هو أيضا شأن اليونان التي أقرت دستورها عام 1975م باسم (الثالوث الأقدس، المشارك في الجوهر وغير المنقسم)، والتي تعتبر الأورثوذكسية ديانة سائدة (96 في المائة من السكان) أو بتعبير آخر (كنيسة قومية).
وهذه الأمثلة التي أوردها جورج طرابيشي توضح التداخل بين الدين والدولة في النظام العلماني الأوربي الذي هو أساس المدنية الحديثة ولا يختلف عليه اثنان من العلمانيين العرب، ولا يشكك أحد في مدنية تلك الدول كما لم يقل بأنها دول دينية لورود تلك الصور من التمييز أو الامتيازات التشريعية لطائفة على حساب الأخرى فيقول: “ومهما تفاوتت درجة العلمانية بين (نصف علمانية) و(شبه علمانية) و(لاعلمانية)، تكفل الدولة الأوربية الحرية الدينية، أي حرية اعتناق الدين وحرية تبديله كفالة مطلقة وهذا أحيانا إلى حد الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون، كما فعلت انجلترا عندما سمحت لراكبي الدراجات النارية من طائفة الشيخ بعدم ارتداء الخوذة الواقية لأن التعمم بالعمامة عندهم من مقتضيات دينهم”.
وعليه فالمهم هنا هو تحقيق أصول الدولة المدنية دون النظر إلى المرجعية وهذه الأمور تتلخص في:
1- وجود دستور يعبر عن قيم ومعتقدات وأعراف المواطنين في الدولة.
2- وفي الفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية).
3- اكتساب الحقوق على أساس المواطنة، وعدم التمييز بين المواطنين لا بسبب المذهب أو الطائفة أو الثقافة أو العرف.
4- كفالة حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
5- احترام التعددية والتنوع (10)
وهذه العناصر جميعها يمكن توافرها في الدولة المدنية التي ينشدها الإسلاميون، كما أن صور التداخل بين الدين والدولة لن تخرج عما استعرضناه سابقا، لكنني أيضا واثق أن تلك المحاولات والمقاربات ستبقى مرفوضة لأن غالبية هؤلاء لا يرضيهم سوى التطبيق الكامل والحرفي (العمياني) للنظام (العلماني) الغربي وهم يتناسون أو ينسون أن هناك اختلافا جذريا بين مجتمع مسلم وآخر مسيحي، مما يجعلنا في النهاية نصل إلى قناعة بأن مصطلح الدولة المدنية التي يتم تداوله الآن ما هو إلا غطاء للتحول إلى دولة (علمانية) بحتة، على غرار النموذج الأتاتوركي، ولعل إصرار القوى العلمانية في مصر على إلغاء المادة الثانية من الدستور المصري بالرغم من انها خيار الشعب في الاستفتاء الذي طرح قبل أشهر والاستعاضة عنها بمبادئ فوق دستورية تكون ملزمة للدساتير القادمة وتقضي بإلغاء الشريعة كمصدر رئيسي للتشريع في التفات واضح وصريح على إرادة الشعب يكشف بوضوح النوايا المبيتة.
———————————-
هوامش:
1- فهمي هويدي، الإسلام والديمقراطية،(ص184)، الناشر: مركز الأهرام للترجمة، ط1 سنة 1993.
2- يوسف القرضاوي، الدين والسياسة.. تأصيل ورد وشبهات (ص 134)، من إصدارات المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث 2007.
3- انظر: المصدر السابق (ص 140 -141).
4- د. محمد بن موسى العامري نائب رئيس هيئة علماء اليمن، الدولة الإسلامية والدولة المدنية ، مقال منشور على شبكة البيضاء http://www.albidaweb.com/index/index…6-54&Itemid=18
5- يوسف القرضاوي، مرجع سابق (ص 134 – 135).
6- جورج طرابيشي، هرطقات عن الديموقراطية والعلمانية والحداثة والممانعة العربية ص 208، الطبعة الأولى 2006 عن دار الساقي ، بيروت، بالاشتراك مع رابطة العقلانيين العرب.
7- د. صبري محمد خليل، العلاقة بين الدين والدولة بين العلمانية والثيوقراطيه (بتصرف)، صحيفة سودانيل الإلكترونية: http://www.sudanile.com/2008-05-19-1…-08-59-35.html
8- جورج طرابيشي، مصدر سابق ، ص 208، 209
9- والمثير أن فرنسا العلمانية مارست الدولة الدينية بشكلها الطائفي في قضية فرض قانون ضد النقاب.
10- محمد شاكر الشريف، الدولة المدنية صورة للصراع بين النظرية الغربية والمُحْكَمات الإسلامية، موقع صيد الفوائدhttp://www.saaid.net/Doat/alsharef/38.htm
نشر في موقع مركز الدين والسياسة للدراسات