حالة الغضب والسخط السائدة لدى المنتمين للتيار الديني في السعودية نتيجة ما يقاسونه –برأيهم- من الهيمنة الليبرالية على وسائل الإعلام المحلية -لاسيما الصحافة اليومية الورقية- ليس لها ما يبررها في الواقع!!
فعلى الرغم من اعترافنا بالقدرات الهائلة للصحافة المقروءة وتأثيرها على جماهير المتلقين، إلاّ أنها في الحقيقة أصبحت عاجزة ومحدودة الفاعلية في ظل سطوة الإنترنت والقفزات التكنولوجية الهائلة التي جعلت المتلقي في حالة تسابق دائم مع الأخبار، فلم يعد بوسعه الانتظار حتى صباح الغد للحصول على المعلومة المكتوبة، ناهيك عن فضاء الحرية الواسع الذي تمنحه الشبكة العنكبوتية، بعيداً عن مقص الرقيب وسطوته، وهيمنة البعض.
المقارنة بين جمهور الإنترنت والصحافة الإلكترونية وزوّار المنتديات ومرتادي المدونات، وبين قراء الصحافة التقليدية ليست متكافئة؛ فالنتيجة محسومة مسبقاً، والشواهد كثيرة، وليس بأدل على ذلك ما أعلنته رابطة الصحف الأميركية (Newspaper Association of America ) عن نمو نسبة متصفحي مواقع الصحف بين عامي 2007 و 2008 بما يقارب 12.1%، بينما وصلت نسبة النمو إلى 60% في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وهو ما دفع الخبير الأمريكي في الصحافة الاستقصائية (سيمور هيرش) إلى تشبيه الصحافة الإلكترونية بالخيول التي انطلقت من زمامها، ولا يمكن توقيفها.
الحديث هنا ليس انتصاراً للصحافة الإلكترونية، ولا حتى تهميشاً لنظيرتها المقروءة؛ فكلاهما متاحان للكل بكافة أطيافه، بينما يتميز الدعاة بالهيمنة على أكثر الوسائل الإعلامية والاتصالية تأثيراً وإقناعاً وتغييراً في المجتمع، وهي خطبة الجمعة.
فإذا كان من المستحيل أن تجبر أي سلطة – مهما بلغت من القوة والجبروت- الناس على قراءة صحيفة أو مجلة أو مشاهدة برنامج تلفزيوني ما، فإن جميع فئات المجتمع على اختلاف أجناسهم وألوانهم وثقافاتهم وطبقاتهم، رجالا ونساءً، أطفالاً وشباباً وكهولاً تجتمع كل أسبوع في يوم معين وساعة معلومة، وفوق ذلك كله راضين قانعين مبتغين رضا الله -عز وجل- الأمر الذي يجعلهم أكثر استعداداً للقبول والاقتناع والرضا التام لما يتلقّونه.
ففي بحث أجري في مصر عن أثر خطبة الجمعة أفاد 78% من عينة البحث أنهم يتأثرون تأثراً دائماً بما يقوله الخطيب، وذكر 71% أنهم يلتزمون دائماً بما يقوله الخطيب. واتفق القائمون على الدراسة مع أحد خطباء المساجد على أن يخطب عن الربا، فأجرى استفتاء قبل الخطبة وبعدها، وكانت النتائج كما يلي: 85% كانوا يعرفون المفهوم الصحيح للربا، وبعد الخطبة ارتفعت النسبة إلى 97% بينما كان 33% من الحاضرين يعرفون عقوبة المرابي قبل الخطبة ارتفعت النسبة إلى 59%، وارتفعت نسبة من يعلمون بتعامل البنوك المصرية بالربا من 71% إلى 94%، وفيما كان 50% من الحاضرين يفضل التعامل مع البنوك الإسلامية ارتفعت نسبة الراغبين في الاستثمار الإسلامي إلى 64% عقب الخطبة، وتشير النتائج النهائية للخطبة عينة الدراسة إلى أن 34% أعلنوا رغبتهم في القيام بنصح الآخرين بترك الربا، بينما أعرب 31% عن رغبتهم بمقاومة أي عمل ربوي.
هذه الدراسة ما هي إلاّ عينة يسيرة، ولكنها تعطي دلالة صادقة وبرهاناً بيّناً على التأثير العظيم الذي تتركه خطبة الجمعة في نفوس الحاضرين، في الوقت الذي يشتكي فيه صنّاع الصحافة الورقية من قلة التوزيع وتناقص المبيعات للمطبوعات الورقية وزهد الجمهور؛ إذ إن أفضل الصحف الورقية السعودية على سبيل المثال لا تتجاوز مبيعاتها (80) ألف نسخة في اليوم، على الرغم من محاولات الصحف الإعلان عن أرقام عالية في التوزيع لعدم خسارة المعلنين، بينما في المقابل تزداد أعداد الحاضرين لخطبة الجمعة، ولا تنقص؛ إذ إنها من المفترض أن تشمل كل مسلم بالغ رشيد.
ومن هنا تبرز أهمية دور العلماء والدعاة وخطباء الجمعة وعظيم تأثيرهم، فإذا علموا حقيقة ما يضطلعون به من أدوار فيجب عليهم بذل الجهد في مضاعفتها، والعمل على ترقيتها، وملامسة قضايا أمتهم، والعمل على تنوير العامة، وإرشادهم، وتبصيرهم بأمور دينهم ودنياهم، والارتقاء بخطبهم وخطابهم ليلامس الواقع، وإذا كان من عتب ولوم فليلوموا أنفسهم أولاً، وليراجعوا أدواتهم، ولا يلوموا الصحف، ولا الإعلام؛ فمن يمتلك المنابر لا يبحث عن المداد والأحبار.
نشر في موقع الإسلام اليوم