لماذا انقلب “حزب النور” على الإخوان؟

بقلم (عمر غازي)

موقف حزب النور الأخير مما وصفه بـ”أخونة البلاد” وعبّر عنه على لسان متحدثه الرسمي نادر بكار ليس بالأمر الذي يمكن تفسيره على انقلاب مفاجئ من الدعوة السلفية وذراعها السياسية النور على جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة في مصر، فحزب النور قدم نفسه منذ البداية على أنه ند للجماعة بدءً من الانتخابات البرلمانية السابقة حينما غامر بنزوله على رأس قائمة ضمت إليه الأحزاب السلفية، وابتعد عن التحالف مع الإخوان الجماعة الأقوى والأكثر خبرة وتنظيما، وفي الانتخابات الرئاسية أيضا لم يؤيد مرشح الجماعة في الجولة الأولى وأيد القيادي المنشق عن الإخوان المسلمين الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، بل قامت قيادات من الحزب بالمرشح الخاسر أحمد شفيق قبيل جولة الإعادة في الانتخابة الرئاسية بزيارة سرية إلى منزله.

وعليه فلا يمكن وصف النور بأنه من الأحزاب الموالية للإخوان وإن اقترب منها في بعض المواقف السياسية انطلاقا من القرب الأيديولوجي والتمسك بالشرعية الانتخابية.

ولعل الظروف السياسية وحالة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي تشكل عاملا مهما في عدم ظهور الكثير من التباينات السياسية أو تجميدها على الأقل في الوقت الراهن.

الكثير من المراقبين كانوا يتوقعون مواجهة مبكرة بين السلفيين والإخوان بعد الوصول للحكم وظهور الكثير من التجاذبات والمناوشات على السطح انطلاقا من اختلاف الرؤى الفكرية والسياسية وتبيانها حول إدارة البلاد وشكل الحكم، لكن حالة الاستقطاب المعاكسة التي نظر إليها الأكثرية في التيار الإسلامي على أنها استهداف للمشروع الإسلامي ومؤامرة حول الانقضاض على الشرعية كانت بمثابة عامل ايجابي استفاد منه الإخوان.

فبعد وصول مرشح الجماعة الدكتور محمد مرسي إلى جولة الإعادة أمام الفريق أحمد شفيق كان الإخوان في أمس الحاجة إلى الدعم والمساندة، وكان لدى القوى السياسية الأخرى مخاوف كبيرة في إعادة إنتاج النظام السابق، وقدم السلفيون أيديهم تحت تأثير الدعوات الرامية إلى الوفاق الوطني والتكاتف ضد الثورة المضادة، وفي ظل وعد إخواني بشراكة حقيقية في مؤسسة الحكم والحكومة والدولة العميقة مع نظرائهم السلفيين كما أوضح رئيس حزب النور يونس مخيون في مقابلته الأخيرة مع خالد عبدالله على قناة الناس الفضائية.

لكن مع انفراد الجماعة بالتأثير في مؤسسة الحكم وعدم التزامها بكثير من الوعود التي قطعتها على نفسها وتأزم الشارع السياسي وازدياد وتيرة الانفلات والاتجاه نحو العنف الممنهج خرج السلفيون عن صمتهم خصوصا مع تحرر الحزب من صراع الحمائم والصقور وخروج التيار المحافظ وانشقاق رأسه رئيس الحزب السابق عماد عبد الغفور ومجموعته إلى حزب جديد هو حزب الوطن، لتساهم هذه العوامل وغيرها في بلورة هذا الموقف للحزب السلفي الأكبر الذي بلا شك يسعى لإظهار نفسه بمظهر صاحب الفكر الوسطي والمنفتح سياسيا وهو ما حاول الإخوان احتكاره وتصديره للرأي العام.

جنوح حزب النور إلى طلب الحوار والتعبير عن ذلك بمطالب سياسية أسوة بجبهة الانقاذ الوطني وباقي قوى المعارضة سيشكل ضغطا قويا وإحراجا للجماعة وحزبها، سيما أن الإخوان وبعض القوى الإسلامية والسلفية الأخرى ينظرون إلى الخلاف على أنه أيديولوجي محض بالأساس، فهناك بنظرهم معسكران لا يمكن تلاقيهما: معسكر الإسلام ومعسكر الكفر والعلمانية الهادفة لعرقلة كل ما هو إسلامي، بل ربما يكون هناك رغبة لدى البعض في استمرار الانقسام في الشارع على هذا الأساس وهذا التصنيف، وهو ما ضربه حزب النور في مقتل بمطالبه التي قدمها للإخوان في مبادرته الرامية للحوار وترحيب القوى المدنية بها.

التحالف – أو المقاربة مع القوى غير الإسلامية – وهي السبة التي يوجهها الإخوان للنور ويرى فيها معولا لهدم المشروع الإسلامي، الإخوان أصحاب السبق فيها بتحالفهم مع أحزاب ليبرالية ويسارية في الانتخابات البرلمانية السابقة في قائمة (التحالف الديمقراطي)، ولعل من المثير هو أن يدعو الرئيس القادم من جماعة الإخوان المسلمين إلى حوار وطني وعندما يلتقط حزب النور طرف المبادرة يثير ذلك غضب الإخوان فمعنى ذلك أن الإخوان إما غير جادين في الحوار أو أنهم يريدون احتكار المشهد وتهميش الآخرين في كل الأدوار.

الإخوان يتناقضون لأنهم أصبحوا في مأزق كبير فليس من المعقول أن تقف الجماعة وحيدة في مواجهة كل القوى فحلفاء الأمس اقتربوا اليوم من معسكر من تصفهم بالعملاء والفلول وهو بطبيعة الحال ما يعبر عن طبيعة الأزمة التي يعاني منها الإخوان والناتجة عن رغبة في الانفراد بالمشهد بالسياسي وتهميش دور المعارضة بحجة الأغلبية الانتخابية والمؤامرات والعمالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *